أسود من ذهب
بقلم : عزيز لعويسي
على الرغم من الهزيمة المخيبة للآمال في نصف نهاية مونديال قطر أمام المنتخب الفرنسي، الذي كان بالإمكان الإطاحة به لولا مهزلة التحكيم، فلا يمكن إلا الوقوف وقفة احترام وتقدير واعتزاز، أمام أسود الأطلس، لما أبلـــوه من بلاء حسن في ملاعب قطر، في العرس الكروي الأكبر في العالم، وبفضل صنيعهم، بات المغرب اليوم، ليس فقط ضمن الأربعة الكبار في هرم كرة القدم العالمية، بل وجعل الجماهير المغربية، تحلم بالفوز بلقب كأس العالم، بعد الإطاحـة بمنتخبات عالمية بوزن بلجيكا وإسبانيا والبرتغال.
من حسنات الأداء المغربي اللافت للنظر في المونديال العربي بقطر، أنه حافظ على الهوية العربية للمونديال بعد الإقصاء المبكر لكل المنتخبات العربية المشاركة، وضمن الحضور الجماهيري المغربي والعربي في الملاعب القطرية حتى آخر حلقات المونديال، وحقق الإجماع العربي والإسلامي والإفريقي حول النجاح المغربي، الذي بات نجاحا للعرب والمسلمين والأفارقة، وقبل هذا وذاك، أحدث ما يشبه الانقلاب في النظام الكروي العالمي، بعد أن وصل المغرب إلى مربع الكبار، تاركا رسالة مفتوحة للعرب والأفارقة والأمم المتوسطة والصغيرة في عالم كرة القدم، مفادها أن “أحلام المونديال”، باتت اليوم “ممكنة” أكثر من أي وقت مضى.
ومهما كانت نتيجة مباراة الترتيب أمام كرواتيا، لابد من استخلاص الدروس والعبر من هذه المشاركة المونديالية “الاستثنائية”، ليس فقط، على مستوى الاستثمار الأمثل لهذا العبور التاريخي، بما يضمن إحداث نهضة كروية مغربية حقيقية، تكرس المغرب كقاطرة للرياضة العربية والإفريقية، بل وجعلها، قوة دافعة في اتجاه بلوغ وإدراك “المغرب الممكن” في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والثقافة والإعلام، والبنيات والتجهيزات والاختراع والإبداع، وطريق هذا “المغرب الممكن” تبدأ بالاعتماد على “الكفاءات المغربية الحقيقية” المشهود لها بالنزاهة والاستقامة والتضحية ونكران الذات والوطنية الحقة، والتصدي الحازم والمستدام، لكل “العابثين” و”الانتهازيين” و”الوصوليين”، الذين يعرقلون عجلة الوطن، ويحرمونه من فرص النهوض والتقدم والإشعاع.
“وليد مول النية” والطاقم المساعد له وجميع اللاعبين الذين صنعوا ملحمة مونديال قطر، أبانوا أن “المستحيل ليس مغربيا”، كما أبانوا أن المغاربة، بإمكانهم رفع التحديات وكسب الرهانات، وهذا يفرض، الاستثمار الأمثل في الرأسمال البشري باعتباره رافعة للتنمية البشرية، والانفتاح الذي لامحيد عنه، على الطاقات المغربية الحقيقية، سواء في الداخل أو على مستوى مغاربة العالم، فلايمكن بناء الوطن والإسهام في نهضته وإشعاعه، إلا بكفاءات مغربية مواطنة، مخلصة لله والوطن والملك.
ولايمكن أن نــدع الفرصة تمر، دون تهنئة كل العرب والمسلمين والأفارقة، وتحية كل مشاهير الإعلام والسياسة والرياضة، الذين تفاعلوا إيجابا مع انتصارات أسود الأطلس في ملاعب قطر، وشاركوا المغرب والمغاربة، أجواء الأفراح والمسرات، احتفاء بهذه الملحمة الكروية غير المسبوقة، إلا نظام الشر في الجارة الشرقية، ومن يدور في فلكه من الأزلام والأبواق والمنبطحين والحاقدين والكارهين والمفلسين، الذي أدخلته انتصارات أسود الأطلس، في حالة حرجة من “الحمق العدائي”، وصلت حد منع الإعلام الرسمي، من نشر أخبار ملحمة المنتخب الوطني المغربي في المونديال القطري، وبدون شك، لم يتنفس هذا النظام الأرعن الصعداء، إلا بعد خروج الأسود من دور نصف النهاية.
ونختم بتجديد التهنئة والتحية والتقدير لأسود الأطلس، فقد كتبوا التاريخ بأحرف من ذهب في سجل كأس العالم، وأبلوا البلاء الحسن، أمام كبار منتخبات القارة العجوز، ومن ضمنهم المنتخب الفرنسي، الذي كان للتحكيم دور في مروره إلى الدور النهائي، والتاريخ لن ينساهم أبدا، وذات التاريخ، لن ينسى قطعا، قدارة نظام حاقد، خرج عن الإجماع العريي والإفريقي والإسلامي، في ملحمة كروية مغربية حركت مشاعر العرب قاطبة، من المحيط إلى الخليج، إلا مشاعر من جعل من الكراهية والعداء، عقيدة بلهـاء، لا تؤمن بدين ولا أخوة ولا عروبة ولا جـوار…
ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فقد دخل المغرب المجد الكروي العالمي من أبوابه الواسعة، وبات ضمن نادي الأربعة الكبار في العالم، إلى جانب منتخبات الأرجنتين وفرنسا وكرواتيا، بل وكان قريبا من الجواز إلى مباراة النهاية، لولا طقوس تحكيمية، لا أحد يعرف كواليسها وأســرارها، وبدون شك، ستبقى ملاعب قطر، وذاكرة العرب والمسلمين والأفارقة قاطبة على مر التاريخ، شاهدة على أسود أطلسية، لم تحــرج فقط، كبار وعمالقة كــرة القدم العالمية في أول مونديال يجرى فوق ملاعب عربية، بل وقدمت للعالم أجمع، دروسا في التضامن والتلاحم والالتزام، والإصرار والصمود والتحمل دفاعا عن ألوان الوطــن، وفي القيم الدينية والإنسانية، التي حضـرت طقوسها ومشاهدها بعد كل انتصار، في عرس مونديالي، كاد أن يفقد طقوسه العربية والإسلامية، لـولا أسود مغربية أطلسية، حملت آمال وأحلام العرب، حتى آخر أنفاس المونديال…
ونأمل أن تكون الملحمة الكروية المغربية، مصدر إلهام للمنتخبات العربية والإفريقية، لتحدو حدو المنتخب المغربي الذي عبد طريق المونديال، وجعل الأحلام المونديالية “ممكنة”، ومحطة مشرقة في تاريخ الرياضة المغربية، يمكن استثمارها، لإحداث نهضة تنموية في جميع المجالات، ترفع البلد، إلى مصاف الأمم المتقدمة والراقية، وهذا ليس بصعب ولا بعزيز على مغرب، كسب الرهانين : رهان الإنجاز ورهان الإعجاز، في أول مونديال في التاريخ، بروح عربية وأنفاس مغربية…فكل الشكر والتحايا، لأسود من ذهب، صنعت مجد كرة القدم المغربية وكتبت تاريخها المجيد، بمداد من ذهب …