إصفعني وخذ دينارا … أوإصفعني وخذ قبلة ! بقلم  : حسن فاتح

admin25 يوليو 2023آخر تحديث :
إصفعني وخذ دينارا … أوإصفعني وخذ قبلة ! بقلم  : حسن فاتح

إصفعني وخذ دينارا … أوإصفعني وخذ قبلة !
بقلم  : حسن فاتح

المقال يحمل عنوانين، لحكايتين متشابهتين، وشتان ما بين الصفعتين، صفعة بدينار واحد، والصفعة الأخرى بقبلة واحدة، وإليكم تفاصيل القصتين.

قصة “إصفعني وخذ دينارا”: في ثمانينيات القرن الماضي، طُبع في ذاكرة طفولتي إلى حد اليوم، مسلسل تلفزيوني عنوانه “ندم”، ويحكي عن قصة رجل كفيف يقف على أحد مرافئ المدينة يصيح بأعلى صوته: “اصفعني وخُذ ديناراً !” فيقوم المارّة بذلك مستجيبين لندائه، حائزين على الدينار بكل سهولة ويسر، دون معرفة سرّ تلك الأموال المرتبطة بالطلب العنيف، حتى مرّ به رجلٌ ذو ضميرٍ حيّ، لم يشأ أن يأخذ الدينار دون معرفة سبب سلوكه، فسألهُ عن ذلك، ليبدأ الرجل البائس برواية قصته لصاحب الضمير.

فصاحب الصفعة بدينار واحد، قد هجر بلدته وعائلته وسعادته من أجل البحث عن كنز مفقود بجزيرة نائية، فجرفته السنون إلى أبعد من ذلك، وحينما عثر على الكنز وعاد إلى بلده لم يجد أحدا، لا بيتا ولا زوجة ولا أبناء، فقد صحته وشبابه وبصره من شدة حزنه وشقائه، وتحول ذلك الكنز الغنيمة إلى ندم وشتيمة، فكان ندمه بحجم الكنز الذي قرر أن يفرقهُ على الناس المارين به، مقابل صفعة على وجهه بدينار واحد، لعل ذلك يشفي غليله مما اقترفه من ذنب في حياته وفي حياة أسرته.

قصة “إصفعني وخذ قبلة”: أما الصفعة التي تلقاها اللاعب “محمد الشيبي” على خده، فقد ساقه إليها قدر البحث عن المال، بعدما سطع نجمه بملاعب كرة القدم المغربية، فهو لاعب موهوب ومهذب، وبسبب ذلك ظفر بمكان ضمن كتيبة المنتخب المحلي، لكن لم يملك من صفة الأسود إلا اللقب، أراد تحسين وضعه الاجتماعي والمالي، فاختار الاحتراف بالبطولة المصرية، عند من يعتبرون أنفسهم سادة الكرة الإفريقية والعربية، والباقي عندهم عبيد، لذا فلا يكفي مع هؤلاء كثرة الأخلاق والاحترام، بل يجب المعاملة بالمثل عند الاحتقار.

بعد هذه الحادثة وجد “محمد الشيبي” نفسه أمام مرمى من الهجوم الشرس، بسبب تجنبه إثارة أي ردة فعل، بعدما صفعه لاعب الخصم في لقطة عدّها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بالمهينة والمستفزة لمشاعر المغاربة، إذ يرون أنه كان عليه الرد بفعل “مماثل”، وعدم التغاضي عن الأمر، بدل القبول بقبلة على الرأس، والتقاط صورمعه أمام عدسات الصحافة المصرية بعد حدوث الواقعة.

من تعاليم المسيح في الكتاب المقدس لإنجيل لوقا: “من صفعك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر”، كعلامة على التسامح والسلام، لكن الأمر ليس كذلك في كل الأحوال، لأن المسيحيين كانوا مع النبي عيسى قلائل ومضطهدين من الرومان، بعد أن كانوا يجبروهم على عبادة الإله “بعل”.

أما في الاسلام فالصفع والضرب على الوجه حرام، وأمرٌ غير أخلاقي، وقد نهى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم عن الضرب على الوجه بقوله: “إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ”، وذلك لأضراره النفسيّة والجسديّة العائدة عن الضرب على الوجه، وعليه فإنه لا يجوز ذلك إطلاقا.

سجل التاريخ عدة صفعات مشهورة لعدة شخصيات، في ميادين وفي ظروف مختلفة، لكن تتنوع من حيث ردود أفعال الذين تلقوا الصفعات، كصفعة الحاكم التركي بالمروحة لقنصل فرنسا التي أدت إلى احتلال مقاطعة الجزائر العثمانية قرابة قرن ونصف؛ وصفعة الأمير جبلة بن الأيهم لأعرابي أثناء الطواف جعلته يهرب إلى الروم ويرتد عن الإسلام؛ أو صفعة “البوعزيزي” بتونس التي أشعلت الربيع العربي وأطاحت برؤساء وأنظمة؛ وصفعة بسوريا للنجم “دريد لحام” على يد امرأة أفقدته وعيه واحترامه من الشعب؛ أو صفعة الممثل العالمي “عمر الشريف” لصحفية ظنها معجبة كلفته نجوميته.

دخلت صفعة اللاعب المصري البلطجي “حسن الشحات” للاعب المغربي “محمد الشيبي” التاريخ من بابه الواسع، ليس فقط لحدوثها بل لطريقة وقوعها، ولسماع دويها في كل أنحاء العالم وبسرعة البرق، في زمن الهواتف الذكية و”السوشلميديا”، فحينما تلقى “الشيبي” الصفعة فكأنما تلقاها الشعب المغربي بأكمله، دون أن يحرك ساكنا، أو يردها له أثناء المطالبة بالصلح.

اختار الشيبي احترام قوانين فريقه المصري، ولم يختر تقدير واحترام الشعب المغربي، هاته الصفعة العار والتي بادلها بقبلة وعناق، ستبقى عالقة ومحفورة في ذاكرة المغاربة أجمعين، فالكرامة قبل الخبز وقبل المال، ولا شيء يعلو عليها، وأن لم يستطع ردها له بالقوة فعليه بالقانون، وإن لم يفعل فليمدد خده الأيسر لصفعات باقي المصريين بدون درهم أو دينار.

يقول المغاربة “عزها تعزك”، ويقول مثل آخر “قطران بلادي ولا عسل بلدان الناس”، أما الشاعر الشريف قتاده أبوعزيز فقد أحسن القول: “بلادي وإن جارت عليّ عزيزةُ ## وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة