الجديدة والفساد … بين الأيادي القذرة والعقول الجشعة !
بقلم : حسن فاتح
هل هو قضاء أم قدر، أم أنه غضب الرب، أم سخط أولياء الله الصالحين، على سكان أساؤوا الاختيار وتلاعبوا بأصواتهم لصالح أياد قذرة، وبطون جشعة، وعقول بشعة، هاته الكائنات تسلطت على جميع المجالات والقطاعات في الجديدة، ومارست انتهازيتها في استغلال واستنزاف خيرات المنطقة، حتى أفقدت المدينة هويتها وجماليتها، “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” ﴿١١ البقرة﴾ .
إصح يا ابن بلدتي ! لقد ضرب الفساد الجديدة في البر والبحر، حاصرها شرقا وغربا، وصار أشد فتكا من أي كارثة طبيعية، ونخرت الأيادي القذرة مرافق مدينتك، وشوهت معالمها، فجعلوا لك من الفساد إلها، وأقاموا لك نصبا وسط مدار “فرنسا”، يطوف حوله الجديديون يوميا، كما طاف من قبل آل قريش حول آلهة “هُبَلْ”، و”العِجْل” في زمن موسى عليه السلام، “قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ” (١٣٨ الأعراف) .
يقول الملك محمد السادس نصره الله: “إن جعلتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم فلن تقبل منكم شكاية؛ فأنتم المسؤولون عن تدهور حقوقكم وحق بلدكم عليكم”، صدقت يا صاحب الجلالة، لكن هذا ما جناه علينا الجهلة والمرتشون، وهذا ما جنيناه نحن على أنفسنا في زمن “الذلوقراطية”، على حد وصف المفكر العالمي المهدي المنجرة، ف” الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” ﴿٢٧ البقرة﴾ .
دكالة بلاد معطاءة، لكن للغريب قبل القريب، على حد تعبير الفاسدين المنتفعين، فما من مسؤول أو مندوب أو رئيس، سواء كان أمنيا أم مدنيا، مر من دكالة إلا وكانت فأل خير عليه، خرج منها ليس كما دخل، يقول فيهم الدكاليون “من كان عاريا كسيناه، ومن كان جائعا أشبعناه، ومن كان جاهلا علمناه، ومن كان نكرة عرفناه، ومن كان صغيرا رقيناه، ومن كان عازبا ناسبناه”، وفي الختام يغادرون دكالة ويغدرون بها، ويصفونها بأقبح النعوث، ثم يرحلون سالمين غانمين، تاركين ورائهم الخراب، “فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ” ﴿٦٣ آل عمران﴾ .
بعد هذا، أصبحت الجديدة حديث العادي والبادي، ومعهدا لتخرج الفاسدين، روائح الفساد فيها تزكم الأنوف من كل جانب، والأيادي القذرة نمت كشجرة الزقوم في هاته الأرض الطيبة، وأصبحت كلمتهم الخبيثة هي العليا، تحاصر الطيبين في كل قطاع وفي كل ميدان، فضائح النهب والنصب تملأ رفوف المحاكم، لكن ناذرا ما يخضع أصحابها للعقاب، وإن طالتهم يد العدالة فذلك من تصفية الحساب، منهم من قضى عقوبة السجن وتاب، ومنهم من مات وينتظره الحساب، ومنهم ما زال على درب الفساد مواظب، ومنهم من يتم توليته على أعلى المناصب، “وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” ﴿٢٠٥ البقرة﴾
كثيرة هي ملفات الفساد بالجديدة، مقاهي الكورنيش، المحطة الطرقية، تصميم المدينة، شارع النصر، دكاكين الذهيبية، السكن العشوائي، مقالع الرمال، التهريب والمخدرات، الهجرة السرية، وألخ .. ألخ .. كثيرا، لكن لخطورتها ولخطورتهم يتم إقبارها بين رفوف المحاكم، فسلسلة الفساد لا حد لها في جميع المصالح، من المدير إلى الغفير، “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِين” ﴿٣٠ الأنفال ﴾، “أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ﴿١٢ البقرة﴾ .
حتى وإن نفد هؤلاء القوم الفاسدين بجلدهم من العدالة البشرية، فإن العدالة الإلهية الصارمة في انتظارهم، “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ﴿٣٣ المائدة﴾
التاريخ لا يموت، وذاكرة الشعوب لا ترحم، لكن إرادة الجديديين أضعف من جبروت الفساد، وصمتهم أضحى أشد ألما من صمت الحلمان، إنه الرضى على ماهم فيه، “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” ﴿١١ الرعد﴾ .
كبر الفساد بدكالة حتى تغول، وسرى فيروسه بين العروق والجينات، كما يسري فيروس وحش “دراكولا” الأسطوري، حينما يغرس أنيابه في عنق الضحية، ولا يستطيع المرء التخلص منه، بقدر ما يتحول إلى سلاسة مصاصي الدماء، “فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ” ﴿١٤ النمل﴾ .
الساكنة الجديدية مطالبة، بأن تطالب بفتح تحقيق في عدة قضايا، تفوح منها رائحة الفساد، منها حسب القطاعات كالآتي :
1.الفساد الإداري: التحقيق في المؤسسات الإدارية التي كانت قراراتها مصيرية وسلبية على مستقبل المدينة كالوكالة الحضرية، القيادات الترابية والجماعات المحلية.
2.الفساد الإسكاني: البحث والتحقيق بين صفوف القيادات ورجال السلطة والمقدمين والشيوخ المرتشين المساهمين في انتشار السكن العشوائي والمتستر.
3.الفساد الصحي: التحقيق في عشوائية التسيير والتخريب الممنهج للمستشفى الإقليمي بالجديدة، الذي أضحى قاعة انتظار نحو المقبرة.
4.الفساد الأمني: الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه في تحويل المدينة إلى نقطة رعب في الإجرام والهجرة السرية وتهريب المخدرات.
5.الفساد القضائي: بالجديدة هو مرعى ومشتل الفاسدين، بل أصبح ذوي اللباس الأسود حماة رعاة، ودعاة لهم، يشاركونهم ويشاورونهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
6.الفساد الرياضي: فتح تحقيق في هدر واستنزاف مالية الفريق الجديدي بعدما تضخم أعضاء المكتب وصار القرد منهم غوريلا، والضفدع تمساحا، والفأر أسدا.
7.الفساد الإعلامي : تطهير المجال الإعلامي من المراسلين المرتزقة، واعتبار أن كل صحفي أو مراسل يساهم في تلميع صورة الفاسدين مجرم في حق مدينته، يجب أن يعاقب ولو اجتماعيا.
8.الفساد الجمعوي: تحرير هذا الميدان من شريحة الجهلة والطبالين والزمارين والراقصين على القعدة، إنهم أذرع الأفعى التي تميل بكفة الأياذي القذرة عند كل انتخابات.
9.الفساد الإنتخابي: هو مرتبط بالسلطة والمجتمع المدني، فهو وحش بمئة يد ويد، و خير وصفة لمحاربته هو المشاركة في التصويت، وقطع الطريق على التلاعب بالأصوات الفارغة.
هذه فقط قطرة فساد من بحر شاسع بالجديدة، ولكم يا معشر الجديديين إظهار ما بطن، فما خفي من الفساد أشد وأعظم.