الرحالة زولاتي والملك … وكيف دافع عن الصحراء المغربية بجنوب إفريقيا ؟ بقلم : حسن فاتح

admin25 يونيو 2023آخر تحديث :
الرحالة زولاتي والملك … وكيف دافع عن الصحراء المغربية بجنوب إفريقيا ؟ بقلم : حسن فاتح

الرحالة زولاتي والملك … وكيف دافع عن الصحراء المغربية بجنوب إفريقيا ؟

بقلم : حسن فاتح

تابع جمهور”عثمان زولاتي” ذات سبت من شهر ماي، في أمسية بأبواب مفتوحة بالجديدة، فيلمه الوثائقي “إفريقيا وأنا”، لن ينساها الجديديون ما حيوا لابن بلدتهم، مستمتعين بروعة المناظر الطبيعية بين الجبال والصحاري والأدغال الإفريقية، وكذلك بحديث الراوي بطل الفيلم المشوق، وهو يحكي عن المغامرات والمخاطر والمقالب التي وقع فيها، دون أن ننسى جودة الإخراج التي تخصص في الحديث عنها ذوي الاختصاص، الذين أشادوا بروعة الفيلم في شموليته بين الصوت والصورة والموسيقى.

لقد تزامنت رحلة زولاتي مع الجولات الملكية الميمونة التي قام بها الملك محمد السادس لدول إفريقيا، في إطارتجديد وتقوية علاقات المغرب مع القارة السمراء، كانت ولا تزال تحتل مكانة جد خاصة في قلوب المغاربة، وفي الأجندة الدبلوماسية للمملكة، ولم يكن يدري عثمان حينما نوى أن يغزو إفريقيا، بأنه سيتقاسم نفس الرؤية الملكية، في إحياء صلة الرحم مع إخوتنا الأفارقة جنوب الصحراء، وأنه سيساهم هو كذلك بدوره في تكسير الجليد الذي طال لسنوات عجاف، والتي قتلت حبل الود الذي كان يربطنا مع الأفارقة منذ الملك المغفور له محمد الخامس، في الوقت الذي ترغب وتفتح فيه الأجيال المعاصرة أدرعها وقلوبها للملك محمد السادس.

كانت الجولة الملكية الميمونة بإفريقيا فأل خير على عثمان زولاتي، ففي كثير من الحالات كان يصادف رحالتنا مرور صاحب الجلالة في دولة إفريقية دون أن يكون له شرف ملاقاته، وحينما كان يصادف الأفارقة في طريقه، يصيحون في وجه عثمان لقد مر ملككم العظيم من هنا، معبرين عن افتخارهم برؤيته والتقاط الصور معه، بل وقد كان مرور ملكنا الحبيب سببا في تساهل السلطات الإفريقية مع زولاتي، وتركوه يعدي الحدود ولو أن وضعيته في بعض الأحيان غير قانونية.

عندما أتم زولاتي رحلته إلى أبعد نقطة في إفريقيا عاد إلى بلده الأم، التي نسيت أن تستقبله كما نسيت من قبل أبطالا آخرين، رغم أن صيته داع إفريقيا وحتى عالميا، لكن أمه التي حملته كرها، وربته عشقا، انتظرت وصوله لسنوات على أحر من الجمر، فما بالك بالأيام والسويعات والثواني الأخيرة، استقبلته ووالده استقبال الأبطال، بالتمر والحليب والدموع، لا يقل استقبالها حبا ووجدانا عن استقبال الملك ألكسندر الأكبر، من طرف أمه “أولمبيا” ابنة القائد العظيم “أشيل”، حينما غزى قارة آسيا.

بعد عودة عثمان إلى بلده المغرب ثم إلى مدينته الجديدة، فكر مليا بتحويل مغامراته واكتشافاته المصورة إلى فيلم وثائقي، مشاهد سينمائية رائعة من مختلف الزوايا، على البحر وعلى النهر، بين القبائل والحيوانات، على الدراجة الهوائية والألواح، وبين الصحاري والأدغال، حيث دونها عثمان بأدوات بسيطة، كاميرا صغيرة متواضعة، وهاتف مثبت على القصبة، وحاسوب لتخزين المعلومات، كل هذه المجهودات جعلته يتمسك بفكرة إخراج فيلم يؤرخ فيه رحلته لتحفظ في ذاكرة البشرية، حتى يستطيع كل من سمع ولم يرى، بأن يصدق ما فعله الرحالة زولاتي، وما يستطيع أن يفعله ورثة “ابن بطوطة الطنجي”، والرحالة الأسطوري “إيستيبانيكو الدكالي” مكتشف القارة الأمريكية.

اتصل زولاتي وتواصل مع البعض هنا بالمغرب وبالجديدة على الخصوص، لم يتلق ردا ولم يصله صدى لنداءاته، ولا أحد من المسؤولين مد له يد المساعدة من أجل إنجاز الفيلم، وبما أن مطرب الحي لا يطرب في الكثير من الأحيان، اضطر عثمان وراء قساوة اللامبالاة وعدم الاعتراف، بأن يحمل حقائبه ويرحل إلى حيث انتهت رحلته، حيث يوجد هناك من يقدر ثمن هذا الكنز الذي يحمله في ذاكرة حواسبه.

حينما عرض زولاتي مقاطعه وفيديوهاته بجنوب أفريقيا، أكثر من 200 ساعة من التصوير، شدت تلك المشاهد أنفاس جميع المتتبعين إلى آخر لحظة، وحركت أحاسيسهم بين الخوف والترقب والعواطف، خاصة حينما تعرض عثمان لقطاع طرق مسلحين، أو حين تاه تيها طويلا في صحراء قاحلة وشاسعة، أو حين مرض لحد الموت بالملاريا، أو حينما عاد إلى أحضان أمه التي استقبلته بالشوق والدموع، انبهر المنتج الجنوب الإفريقي لهذا العرض الخام والهام، فقررعلى الفور بأن ينتج الفيلم، وأقترح عليه توقيع عقدا مشتركا، ولو أن شروطه كانت مجحفة في حق عثمان، إلا أن هدفه الأسمى كان هو أن يرى باكورة فيلمه “أنا وإفريقيا” تعرض في قنوات العالم، ك”ناشيونال جيوغرافيك” “نيتفليكس” و”كنال بليس”.

استعان المنتج الجنوب الإفريقي وعثمان زولاتي بفريق تقني محترف، كل واحد حسب اختصاصه، في خدمات هندسة الصوت والصورة والمونتاج والكرافيك والديزاينر والديكور والسيناريو واللوجستيك، ودام لصناعة هذا المشروع أشهر طويلة حكمت على عثمان الاستقرار بجنوب أفريقيا لمدة سنتين، واستطاع بفضل مؤهلاته اللغوية والتواصلية أن يربط علاقات قوية بهذا البلد، ومع العديد من الأشخاص المهمين والمؤثرين في مختلف القطاعات.

حقق فيلم “إفريقيا وأنا” نجاحا باهرا، وحصل على عدة جوائز في عدة مسابقات ومهرجانات دولية، كجائزة “Pan african film festival” بلوس أنجلوس الأمريكية، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الأفلام الأفريقية الأمريكية، جائزة أفضل المسافرين في العالم بمهرجان مسافري دبي الاماراتية عام 2017، جائزة مغامر العام لسنة 2018 في مهرجان أفلام المغامرة بالمغرب، كما اختير شريطه ضمن الأفلام المشاركة في مهرجان “portland film festival” سنة 2021، مهرجانpan africain” ” ومهرجان africa world documentary”” سنة 2022 .

يخفي نجاح هذا الفيلم الذي عبر القارات والقنوات، في طياته وكواليسه العديد من المحن والمعاناة لعثمان زولاتي، ويخفي كذلك بطولة أسطورية للرحالة التي لا يمكن أن نشاهدها إلا من رجل وطني غيور على بلده، وهو دفاعه بكل صراحة وصرامة عن خريطة بلاده، حينما رأى بأن الطاقم السينمائي الجنوب الإفريقي يعتزم بإدراج خريطة المغرب بدون صحراءه، فتصدى لهذه المحاولة بكل جرأة وشجاعة، معرضا مشروعه وحلم حياته للتوقف أو للإجهاض حتى، حيث دخل الفيلم بعد ذلك في جمود طويل، تزيد مدته عن السنة، إلى حين قبول المنتج الجنوب الإفريقي بوضع خريطة المغرب كاملة، بعدما اضطر عثمان أن يتنازل عن بعض الامتيازات، لكن بالنسبة له كل شيء يهون في سبيل الوطن.

أمام هذا الموقف البطولي والتضحيات التي قدمها عثمان زولاتي من أجل أن تبرز خريطة بلاده كاملة بفيلمه “إفريقيا وأنا”، والتي لا تقل أهمية عما يقوم به الجندي على الحدود، وما يقوم به الدبلوماسي في منصبه، وما يفعله السياسي من موقعه، من أجل الذود عن حياض الوطن، ألا يستحق هذا البطل الشاب من المسؤولين المغاربة تشجيعا وتقديرا واعترافا بما قدمه للوطن، خاصة بين بلدان لها مواقف معاكسة لمملكتنا في وحدتها الترابية كجنوب إفريقيا، إثيوبيا، كينيا، أوغندا، ناميبيا، بوتسوانا، موزمبيق وزيمبابوي.

ما أحوجنا لمثل هؤلاء الأبطال الشباب الذين يرفعون راية بلادهم في العالم، يدافعون عن مغربهم وعن حدود بلادهم، وينشطون بعفوية في السياسة الموازية للدفاع عن الصحراء المغربية بدون مقابل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليقان
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • د. محمد صغير
    د. محمد صغير 25 يونيو 2023 - 10:41

    بالتوفيق في اعماله

  • د. محمد صغير
    د. محمد صغير 25 يونيو 2023 - 10:44

    بالتوفيق لكل اعماله

الاخبار العاجلة