الرحمة لشرطي الرحمة  بقلم : عزيز لعويسي

admin4 مارس 2023آخر تحديث :
الرحمة لشرطي الرحمة  بقلم : عزيز لعويسي

الرحمة لشرطي الرحمة
 بقلم : عزيز لعويسي

وسط أجواء مهيبة، وبحضور عدد من الأمنيين “رؤساء” و”مرؤوسين”، وفعاليات أخرى، تم تشييع جثمان شرطي “الرحمة”، إلى متواه الأخير، بعد العثور على جثته قبل أيام، في وضعية “متفحمة” بداخل بالوعة، بنواحي منطقة حد السوالم، وبقدر ما نأسف على هذه الجريمة النكراء، التي بلغت فيها الهمجية منتهاها، والوحشية مداها، بقدر ما نترحم على الشرطي الضحية، الذي كان يشتغل قيد حياته، بفرقة السير والجـولان بمنطقة أمن الرحمة، سائلين الله عز وجل، أن يشمله بواسع الرحمة والمغفرة، ويسكنه فسيح الجنان، ويلهم أسرته الصغيرة وأسرة الأمن الوطني قاطبة، الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فأن تطال أيادي العنف والقتل والغدر الجبان، عناصر الشرطة بمناسبة أداء مهامهم الاعتيادية في حماية المواطنين وتوفير مناخ من الأمن والطمأنينة والاستقرار، معناه أن جائحة العنف والتطرف والانحراف والإجرام، آخذة في التمــدد والانتشار داخل المجتمع، في ظل ما باتت تعرفه منظومة التربية والقيم والأخلاق من إفــلاس خطير، وهذا الوضع المقلق، يفرض ليس فقط، دق ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى، بل ووضع – تحت المجهر- ما نستند إليه في مواجهة الجريمة وكل تمظهرات الانحراف، من ترسانة قانونية وأجهزة ضبطية وقضائية وعقابية وتهذيبية وغيرها.

وفي ظل ما طال الشرطي الراحل رحمه الله، من بشاعة في القتل وجسامة في الحرق، لايمكن إلا أن نوجه البوصلة كاملة نحو الجمعيات التي ترفع يافطة حقوق الإنسان، والتي لا تترد في الترافع وإشهار صكوك الاحتجاج في وجه “عقوبة الإعدام”، ونتساءل في هذا الإطار، لماذا تتوارى هذه الجمعيات عن الأنظار، لما يتعلق الأمر بشرطي طالته أيادي القتل والغدر أثناء أداء واجبه الوطني؟ ولا تتردد البتة، في الخروج إلى الشارع، لما يتعلق الأمر بالدفاع عن الحريات الفردية. ألا يستحق الشرطي الراحل، انخراط الجمعيات التي تدعي حقوق الإنسان، في حملة تندد بما وقع من جريمة بشعة، وترافع دفاعا عن الشرطيين وما بات يتربص بهم من مخاطر ؟

الغدر الجبان الذي طال شرطي الرحمة، ما هو إلا مرآة عاكسة لجائحة العنف والانحراف التي أضحت تهدد حياة الأشخاص وسلامة الممتلكات، ومشهدا دراماتيكيا يسائل واقع حال مهنة الشرطة، وما أضحى يواجه موظفي الشرطة، من مخاطر وتهديدات بمناسبة أداء الواجب الوطني، في ظل ما بتنا نعيشه من إفلاس قيمي وأخلاقي، ومن انحراف سلوكي، والجريمة المقترفة رغم جسامتها وألمها، هي مناسبة تستدعي من صناع القرار الأمني، وضع خطط استباقية، من شأنها الإسهام في إحاطة الشرطيين بما يلزم من شروط ومتطلبات والحماية، أثناء ممارسة مهامهم الاعتيادية بالشارع العام، حرصا على سلامتهم الجسدية، وهذه الحماية لايمكن البتة الاختلاف بشأنها، لأن تعنيف شرطي بزيه الرسمي بالشارع العام، أو تعريضه للقتل، لن يكون إلا مساسا بهيبة الدولة ورمزيتها، وتشجيعا على ثقافة الانحراف والاجرام.

للذين يترافعون ضد ” عقوبة الاعدام ” وليس عقوبة الاجرام “، ويرقصون على حبل حقوق الإنسان، ما رأيكم في شرطي كان يتأهب للعودة إلى أسرته الصغيرة بعد ساعات طويلة من العمل، شرطي كان يتحمل مصاريف علاج والدته المريضة بمرض عضال، شرطي وعد والدته بأن يقتني لها ما تحتاجه من ملابس ولوازم، استعدادا لأداء فريضة العمرة بمناسبة شهر رمضان الأبرك، شرطي يعيل زوجة وأبناء صغار، كان يتوسم فيهم خيرا ويرسم بهم طريق الأحلام التي عجز عن إدراكها وبلوغها، شرطي كانت له أحلام في زحمة الحياة، وآمالا عريضة في الارتقاء المهني وتحسين الوضع الاجتماعي …، لكن امتدت إليه أيادي الغدر دون اعتبار لزيه الرسمي، لتجهز على حياته وأحلامه وكل آماله، بطريقة غاية في البشاعة والجسامة والوحشية والانحراف والإجرام، في لحظة كان يتأهب فيها للعودة إلى البيت، دون أن يدرك أن اللحظة، هي آخر لحظة، ونوبة العمل كانت آخر نوبة، والمدارة الطرقية، كانت آخر مدارة طرقية سجلت له آخر مرور مهني، في مشوار مهني انتهى على إيقاع مشهد درامي كتبت آخر فصوله، بمداد القتل البشع والحرق الجبان …؟؟ فأينكم يا دعاة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام؟ إذا لم تكن لكم الجرأة في التنديد بما وقع من جريمة بشعة ضد الإنسانية التي تجمعنا، فعلى الأقل اصمتوا، لأن لا عقوبة تشفي غليل أم طريحة الفراش وزوجة مكلومة وأطفال مصدومين، إلا وضع الحبل حول أعناق من قتل الناس جميعا …حتى يكونوا عبرة لمن لا يعتبر ..

ونأمل في خاتمة المقال، أن تكلل جهود الأجهزة الأمنية، بفك خيوط هذه الجريمة المروعة، ووضع اليد على الفاعل أو الفاعلين المتورطين، وهؤلاء، لابد أن تطالهم عقوبات جسيمة تتناسب وجسامة وبشاعة ما اقترفوه من أفعال تقاطعت فيها الوحشية بالهمجية، حفظا للنظام العام، وحرصا على هيبة الدولة وسلطة القانون، وكبحا لجمــاح المنحرفين والخارجين عن سلطة القانون، وقبل هذا وذاك، حماية لمؤسسة الشرطة، التي بها ومعها، تتحقق نعمة الأمن والاستقرار والسكينة …، وهي مناسبة لدعوة المواطنين، ممن يتوفرون على معطيات أو معلومات، من شأنها تيسير عمليات البحث والتحري، عدم التردد في مد المصالح الأمنية المختصة، بالمعلومات المتوفرة، من منطلق أن الأمن وإن كان مسؤولية أجهزة أمنية، فهو في ذات الآن، مسؤولية مواطنين .. نجدد الرحمة والمغفرة للفقيد، وإنا لله وإنا إليه راجعون .. وداعا شرطي الرحمة .. وداعا هشام .. وداعا شهيد الواجب ..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة