المرأة في السياق الراهن: الثابت والمتغير
بقلم : محمد أعزيز
لا يمكن التطرق لموضوع المرأة راهنا إلا من خلال الوقوف عند التغيرات التي مست الاقتصاد العالمي، في تحولاته المستمرة، باعتبار أن هذا الاقتصاد انتقل من المرحلة الزراعية إلى المرحلة الصناعية ثم الطور المعلوماتي وصولا إلى اقتصاد الصورة حسب الطرح الذي توصل إليه كل من الكاتبين وليام هلال وكينيث تاير في كتابهما القيم اقتصاد القرن الحادي والعشرين. وقد أبرز الباحثان التأثير القوي للصورة في سياقنا الراهن وتدخلها اللامتناهي في تعزيز القوة الاقتصادية عبر تغذية النزوعات الاستهلاكية للإنسان، يقول الباحثان” إن القوة الاقتصادية الحقيقة للبلاد تكمن في الصناعات التي تشكل الصورة المثيرة للعواطف.. إن اقتصاد الصور الجديد عالمي الانتشار يطوق ليس فقط امبراطوريات الدعاية والإعلان، فحتى منشآت الأعمال التي تنتج سلعا عادية كالسيارات تنفق على تصميم صورة السلعة بقدر ماتنقق على الجوانب الميكانيكية.. فالاقتصاد لا يهتم الآن بإنتاج السلع ولا بمعالجة المعلومات بل تشكيل المعاني”.
واعتبر الباحثان أن النماذج التي يتم تصويرها كنماذج متفوقة ضمن هذا السياق، لا تمتاز بكفاءة أو قدرة على التحليل والتفكير، إنها ذوات عديمة الكفاءة سلاحها الصورة، وهذا يحيلنا إلى الكتاب الشهير لألان دونو، “نظام التفاهة”، الذي يبرز فيه سيطرة هذه النماذج من التافهين ( “المؤثرين” نموذجا في واقعنا المغربي) أصحاب الذوق الهابط، لتمرير الرسائل وإشباع الحاجيات الضرورية لاستمرار عمل النظام الرأسمالي، في ظل ملكية أصحاب رؤوس الأموال لوسائل الإعلام واستحواذهم على سوق الإعلانات.
على هذا الأساس تتعزز النزعة الاستهلاكية للذات المستهدفة باقتصاد الصورة حيث تعاظم ” المكر الواسع الخيال حيث أضحت السيارة نمطا للتحرر الذاتي والكساء قد كف عن ان يكون ثيابا تمت خياطته من القماش بل أصبح علامات تدل على البهاء والاحترام”
ولعل هذا ما يفضي إلى ازدياد استغلال الموارد البشرية مما أدى إلى تفاقم اللامساواة وانعدام الأمن الاجتماعي مادامت هذه التدابير تؤثر سلبا في الأغلب في الفئات الأقل حظا والأكثر حرمانا في المجتمع” حسب الدكتور مراد دياني في كتابه ” حرية ، مساواة واندماج اجتماعي، نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام”.
وفي مقابل هذه المتغيرات الاقتصادية، اتسم وضع المرأة بالثبات على مستوى خطاب المطالبة بالمساواة، دون انعكاس فعلي لهذه المساواة في الحقوق على شريحة عريضة من النساء اللواتي يقبعن في التهميش والإقصاء،.
ولتفسير هذا الوضع الثابت كان لزاما علينا الاسترشاد بما وصلت إليه الباحثة الأمريكية نانسي فرايزر التي ترى أن السبب وراء هذا الوضع يرجع إلى انحياز الحركة النسوية للنيوليبرالية إذ عوض النضال من أجل وضع حد للفوارق الاجتماعية اتجه نضالها إلى قضايا هامشية من ثمة انخرطت في خدمة النيوليبرالية المكتسحة للحقوق والتي لا تفرق بين الرجل والمرأة في ممارسة استغلالها المتوحش، وضمن التفسير نفسه يمكن أن ندرج رأي ” ستيكن حيث اشارت إلى أن” النسوية النيوليبرالية هي النسوية السائدة فهي نيوليبرالية ترفع شعارات براقة وهي سهلة الانقياد وخانعة المتطلبات تشجع المرأة على تحقيق ذاتها بناء على قيم جوهرية مثل الريادة والاعتماد على الذات والحق في العيش بسعادة” وهو ما يعني تعزيز قيم الفردانية المغذية لتوحش النيوليبرالية، هذه الأخيرة التي تستعين بالصورة ووسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطورات التكنولوجية لصناعة وهم الاستغناء عن الرجل. هكذا تخلت هذه النسوية عن نضالها المشروع للحد من معاناة الإنسان بصفة عامة لتنصرف إلى أوهام الصورة بغية رفاه مزيف.
وصول الباحثة إلى هذه النتيجة جعلنا نستحضر موقف الفيلسوف نيتشه من المرأة حيث قال” المرأة أحد نصفي البشرية ضعيفة.. غير مستقرة بحاجة إلى القوة لتتعلق بها، لقد تآمرت المرأة دائما مع نماذج الانحطاط مع القساوسة ضد القادرين والأقوياء والرجال” فهل يعني هذا أن النسوية النيوليبرالية تترجم فعليا ما أشار إليهن يتشه في عهد مضى؟!
سيظل هذا السؤال معلقا ورهينا بمآلات ” الليبرالية التقدمية” والتي للأسف تنخرط فيها تيارات ومنظمات يسارية سواء أحزاب أو نقابات، وقد يكون ذلك عن غير وعي منها.
إن حل هذه المعضلة ومحاولة الإجابة عن هذا المأزق دفعني إلى العودة إلى الفيلسوف زيغمونت باومان الذي وجدت ضالتي في كتابه” الحب السائل عن هشاشة الروابط الإنسانية حيث يدعو إلى اقتصاد أخلاقي يعتبره بمثابة صمام أمان، فنحن في” حاجة إلى التضامن أمام هجمات السوق، على الرغم فالسوق تبذل كل ما في وسعها للنجاح في هجماتها وخبراء التسويق يعصرون رؤسهم من أجل ابتكار طرق لشراء التضامن والابتسامة والعون فتفقد الروابط طبيعتها التي يمكن أن تسع الحاجة إلى الوجود مع الناس، فالروابط لا يمكن تصورها ولا دوامها إلا في الوجود مع الناس، فلن تنجح السوق في مطاردتها الرأسمال غير المتداول الكامن في الطبيعة الاجتماعية للبشر”
بناء على هذا القبس الباوماني لا يمكن مواجهة شراسة السوق إلا من خلال تمتين أواصر الروابط بين الرجل والمرأة، للخروج من ضيق هذا الصراع المفتعل إلى رحابة التعاون المثمر والتكافل البناء لرفع التحدي والتصدي لبشاعة اقتصاد السوق المرتكز على صور الوهم.