المعهد الملكي للشرطة .. الأرشيف والذاكرة  بقلم : عزيز لعويسي

admin7 ديسمبر 2022آخر تحديث :
المعهد الملكي للشرطة .. الأرشيف والذاكرة  بقلم : عزيز لعويسي

المعهد الملكي للشرطة .. الأرشيف والذاكرة
 بقلم : عزيز لعويسي

لايمكن البتة الحديث عن تاريخ الشرطة المغربية ولا النبش في حفريات ذاكرة الأمن الوطني، دون التوقف الاضطراري عند واحدة من أبرز المنارات الأكاديمية الشرطية في إفريقيا والعالم العربي، ونخص بالذكر “المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة”، الذي تأسس سنة 1978، في سياق مرامي تحديث المرفق الأمني، ومساعي إرساء منظومة تكوينية حديثة للشرطة، قادرة على كسب رهانات شرطة عصرية، متمكنة من الكفايات القانونية والحقوقية، ومتملكة لما تقتضيه مهنة الشرطة، من قدرات وخبرات ومهارات.

ومنذ تأسيسه، ظل “المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة” بصفته رافعة للتدريب والتكوين الشرطي، في صلب مختلف المحطات التحديثية والأوراش الإصلاحية، التي انخرطت فيها المديرية العامة للأمن الوطني، في سياق تحديث وعصرنة المرفق الأمني، سواء تعلق الأمر بالعدد البيداغوجية ومناهج وبرامج التكوين المعتمدة في التكوينات الأساسية والمستمرة والتخصصية، أو بمختلف محطات الزي الرسمي للشرطة، أو الأنظمة الأساسية المعتمدة، أو على مستوى تقنيات ووسائل التدخل الأمني، أو فيما يتعلق بتطور الوسائل والتجهيزات اللوجستية، أو إحداث الفرق والتشكيلات الأمنية، أو عبر حضور المرأة في المنظومة الشرطية، أو من خلال مختلف الأنشطة الموازية الداعمة للعمليات التكوينية …

وبهذا الحضور المتعدد الزوايا، يبقى المعهد الملكي للشرطة على غرار باقي المدارس الشرطية الجهوية، “شاهد عصر” على تاريخ الشرطة المغربية، ومرآة عاكسة لذاكرة الأمن الوطني، ولأبرز المحطات التحديثية التي انخرطت وتنخرط فيها المديرية العامة للأمن الوطني، في سبيل التحديث والعصرنة، انسجاما والمفهوم الجديد والمتجدد للسلطة، وتعزيزا لمرتكزات الحكامة الأمنية الجيدة، ومواكبة لمختلف المتغيرات التي تشهدها المهنة الأمنية على الصعيد العالمي.

وهذه الذاكرة الشرطية – التي تعـد جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية الوطنية، ورافدا من روافد الهوية المغربية المشتركة – تحضر تفاصيلها، فيما يحتضنه المعهد من أرشيفات متنوعة، عاكسة لمختلف أنشطته الإدارية والتكوينية والإشعاعية والتواصلية وغيرها، واعتبارا لقيمتها العلمية والتاريخية والهوياتية والتراثية، من الواجب ليس فقط، حفظ هذه الأرشيفات وتدبيرها الأمثل، لدورها المحوري في توثيق تاريخ الشرطة المغربية وذاكرتها، بل وتيسير الاطلاع عليها في إطار الحق في المعلومة – وفق الضوابط القانونية ذات الصلة – والمضي قدما في اتجاه “تثمينها”.

والنهوض بأرشيف المعهد الملكي للشرطة خصوصا، وأرشيف الشرطة المغربية عموما، يقتضي من الجهاز الوصي على الأمن الوطني، مد جسور التواصل والتعاون مع “أرشيف المغرب” باعتبارها المؤسسة الوطنية العمومية الحاضنة للأرشيف العمومي، لاعتبارات ثلاثة، أولها: ما يضطلع به الأرشيف الأمني/الشرطي من أدوار في صون “ذاكرة الشرطة” التي تعد رافدا من روافد الذاكرة الوطنية الجماعية، وثانيها: ما أناط به القانون رقم 69.99 المنظم للأرشيف، “أرشيف المغرب” من سلطات على الأرشيف العامة، ومن دور محــوري في صون التراث الأرشيفي الوطني، وثالثها: ما يمكن أن تقدمه المؤسسة الأرشيفية من “خبرة أرشيفية”، يمكنها الإسهــام في النهوض بواقع حال الممارسة الأرشيفية في الإدارة الشرطية بكل مستوياتها بما فيها المعهد الملكي للشرطة.

وفي هذا الإطار، نقترح ما اقترحناه في مقال سابق ، فكرة أو مشروع شراكة بين “المديرية العامة للأمن الوطني” و”أرشيف المغرب”، يمكن أن تشكل “إطار عمل” للتعاون والتنسيق في القضايا ذات الاهتمـام المشترك، من قبيل “تجويد الأداء الأرشيفي الشرطي”، و”دعم قدرات موظفي الشرطة في مجال الأرشيف وحفظه ومعالجته وتثمينه”، و”النهوض بالدراسات والأبحاث ذات الصلة بالذاكرة الأمنية/الشرطية”، و”الإسهام المشترك في مكافحة مختلف الجرائم الماسة بالأرشيف، بمستوياته الورقية والرقمية والإلكترونية”، و”جعل التكوين الأرشيفي في صلب التكوينات التي يخضع لها موظفو الشرطة بالمعهد الملكي للشرطة ومدارس الشرطة”، من باب الإسهـام المشترك في تكوين شرطيين متملكين لثقافة الأرشيف، التي تعد المدخل الأساس لأية ممارسة أرشيفية واعية ومتبصـرة، على أمل أن يصل الصوت، هذه المرة، إلى صناع القـرار الأمني/الشرطي، من باب المسؤولية الفردية والجماعية، في حفظ وصون التراث الأرشيفي الوطني بكل مستوياته وتمظهراته.

ونذكر في خاتمة المقال، أن اليوم الوطني للأرشيف الذي صادف 30 من شهر نونبر المنصرم، تزامن وندوتين شكل الأرشيف خيطهما الناظم، ويتعلق الأمر بندوة “أرشيف العدالة تراث عريق وذاكرة وطنية في خدمة الوحدة الترابية “، من تنظيم ودادية موظفي العدل بشراكة مع وزارة العدل، وذلك بفضاء المركز الجهوي للحفظ بالعيون، وندوة ثانية، قاربت موضوع الأرشيف المدرسي تحت عنوان “أي دور للأرشيف المدرسي في حفظ الذاكرة الجمعية؟ “، من تنظيم المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالرباط سلا القنيطرة “الفرع الإقليمي للقنيطرة”، تميزت بمشاركة مميزة لمدير أرشيف المغرب، الدكتور جامع بيضا، وأساتذة آخرين، توجت بتوقيع اتفاقية شراكة بين “أرشيف المغرب” و”الفرع الإقليمي للقنيطرة”.

وفي هذا الإطار، إذا كان جزء من الأرشيف، يلامس الذاكرة الجماعية للأمة، فهذه الذاكرة من الصعب الإلمام بتفاصيلها، ما لم توجه البوصلة كاملة نحو الذاكرة الساكنة في عدد من الأرشيفات القطاعية، من قبيل ” أرشيف القضاء” (ذاكرة العدالة) و”الأرشيف المدرسي”(ذاكرة التعليم) و”أرشيف الجامعة “(ذاكرة الجامعة)، و”الأرشيف الأمني/الشرطي” (ذاكرة الشرطة) و”أرشيف الجمارك” (ذاكرة الجمارك)، و”أرشيف البرلمان”(ذاكرة البرلمان)، و”أرشيف الخارجية” (ذاكرة الدبلوماسية)، و”أرشيف الأوقاف”(ذاكرة الأوقاف)، و”أرشيف المقاومة “(ذاكرة النضال)، و”أرشيف الرياضة (ذاكرة الرياضة)، و”أرشيف “العدول” و”الموثقين” (ذاكرة التوثيق) …إلخ، وبهذه المقاربة المتعددة الزوايا، يمكن الإسهام الفردي والجماعي، في صون الذاكرة الجماعية وحفظ الهوية المشتركة…

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة