جرعة من السحر
بقلم : خالد عنوز
منا من يقف أمام البحر ويتمنى لو كان الجو صحوا حتى يلقي بجسده المثقل بالهموم داخل الماء فيداعب أطرافه، ومنا من يكتفي بما تنقله له حاسة بصره وجارحته من متعة ونشوة، تجعله يتنفس نفسا عميقا يطرح من خلاله وعبره ما علق في صدره من أثقال ومخلفات المستهلك اليومي، أما أنا فعندما أقف أمام البحر أجده يحتل كل رقعة من جسدي وروحي… أسمع افتراضيا صوت الشاعر حافظ ابراهيم وهو يردد:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
أجد نفسي مجبرا على الدخول في نوبة صمت، أعطي عقلي فسحة يتيه من خلالها في عوالم هذا الجسد الغامض… إنه يشبه الحياة، درره وصدفاته لا يدركها إلا الغواص المحترف… والغوص يحتاج إلى جرأة ودربة ومنازلة ومغازلة… يدعوك للصد فتقابله بالرد، أعشق هذه… أعشق الوقوف أمامك أيها المارد الأزرق، أعشق الجلوس فوق صخورك التي تنطق الأصم، موجك المتلاطم يرسم تراتيل عشق أسطوري على جنبات صمتك، تتقاطع مع نبضات قلبي المكدود فيجعلني أتمنى الغرق في عرضك.
مررت اليوم من هنا، ورشفت من عبير روعتك المحفوفة بالمجاهيل صخب الأشواق الماطرة التي تعصف بالقلوب، تذوقت من خيال عالمك الرحب طعما خلق بداخلي إحساسا ألهب نفسي الملتاعة، فتبخرت حروفي حتى شكلت سحابة فجرت أحاسيس مكبوتة في صخب الحياة، أخذتني… سحرتني… سرقتني… خطفتني إلى جزيرة الهدوء فعانقت الأشواق في سمائها. أشعر أنك تجتاحني كموجة صقيع داهمت مدينة بأكملها، أيها البحر… لا زلت في تفاصيلك عائما أصارع -من أجل قدري- أمواجك الصاخبة، فدعني أغرق وأمزق أوراقي وأحرقها حتى لا أتعذب، فأفكاري تطير بي كلما وقفت أمامك…
لطالما تمنيت أن أكون نورسا أحلق فوقك وأهمس في أذنك كي تطفئ الشوق في قلبي كل يوم…