حديث العيد أعزكم الله
بقلم : عزيز لعويسي
يحل عيد الفطر المبارك السعيد، بعد إسدال الستار عن آخر طقوس شهر رمضان المعظم، الذي مرت يومياته بشكل شاق وعسير على شرائح واسعة من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وفئات عريضة من الفقراء من الأرامل والأيتام والمحتاجين ممن لا حول لهم ولا قوة إلا بالله، بعدما وصلت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة من الارتفاع، لم يجد معها المغاربة – ضحايا حمى الأسعار – من خيار أو بديل، سوى الخروج إلى الشوارع من أجل الاحتجاج إن لم نقل “طلب النجدة”، بعدما ساءت ظروفهم المعيشية وتدهورت قدراتهم الشرائية، أمـلا في إجبار الحكومة على اتخاذ تدابير وإجراءات استعجالية، قادرة على تخليصهم من شبح جوع وشيك؛
عيد مبارك سعيد، يحل على المغاربة في سياق سياسي واجتماعي موسوم بالقلق وانسداد الأفق، وكلهم أمل ورجاء في أن يتقبل الله عز وجل منهم، خالص الأعمال وصادق الدعوات والمناجاة، ويغفر لهم الذنوب والخطايا ما ظهر منها وما بطن، وقلوبهم مفعمة بالشوق وخالص الدعوات، في إدراك شهر رمضان القادم وبلوغ مرمى ليلة خير من ألف شهر بمشيئة الخالق جل علاه، وفي هذا الإطار، وبقدر ما لا يمكن أن نسلب قطعا، حق أي شخص في الأمل والرجاء والشوق والدعاء والمناجاة، بقدر ما نجد أنفسنا مضطرين، للتعبير عن مشاعر الأسف والقلق والحسرة، لما بتنا نعيش فيه من انحرافات سلوكية وانزلاقات قيمية وأخلاقية، تجعلنا أبعد من روح رمضان، وأبعد ما يكون، من إسلام لا يقبل قط، بالأنانيين والطامعين والمحتكرين، واللصوص والناهبين والعابثين والفاسدين وتجار الأزمات، ومنعدمي الضمير ومصاصي الدماء، على الرغم مما نحاول أن نظهره في رمضان والأعياد والمناسبات الدينية، من الطقوس والعادات والطباع، التي باتت كل رمضان وكل عيد ديني، “شاهد عصر”، على شخصياتنا وأحوالنا، التي أضحت كالحرباء، تتغير ألوانها وسلوكاتها من فصل لآخر بل ومن طقس لآخر؛
إذا رحل رمضان، فروح رمضان مستمرة، بل لابد أن تبقى مستمرة في حضرة رسالة إسلامية تحمل مسؤوليتها، رجل أمين، أرسله الله هدى ورحمة للعالميــن، رسالة تكمن في طياتها، أسباب ومسببات ما نحن فيه من تيه وارتباك وتواضع وانحطاط وتفاهة وسخافة، وطريق الانفراج والصلاح، تمر قطعا عبر الافتكاك من الأنانية المفرطة التي تدفعنا إلى القسوة على بعضنا البعض بدون خجل أو حيــاء، والتحلي بروح المسؤولية والابتعاد عن “الشبهات” أيا كان مقرها ومستقرها، ما ظهر منها وما بطن، والالتفاف اللامشروط حول الوطن وثوابت الأمة، والتباري الشريف في خدمة الصالح العام والتأسيس لدولة الحق والقانون والمؤسسات، وإرساء مجتمع التعاون والتضامن والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، والتصدي الحازم للفاسدين والمفسدين الذين يعرقلون عجلة الوطن، ويمنعونه من فرص النهوض والتقدم والرقي والبهاء، بإشهار سيف “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وتفعيل آليات “عدم الإفلات من العقاب”، بما يضمن التخليق المستدام للحياة العامة، والإسهــام في صون اللحمة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية، وكسب رهان الإقلاع التنموي الشامل الذي يجعل المغاربة يقفون على قدم المساواة أمام “التنمية” و”الثروة” و”الخيرات” و”المنافع”؛
على المستوى العربي والإسلامي، يحل العيد المبارك، والأمة العربية والإسلامية، تعيش كعادتها، حالة من التفرقة والشتات والضعف إن لم نقل الانبطاح، بشكل يجعلها أبعد ما يكون من إسلام، يؤمن بالوحدة ولم الشمل وتوحيد الصفوف، بما يقوي المواقف ويرفع من القدرات، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، لايؤمن إلا بلغة التكتل والتعاون والمصالح المتبادلة، ولا يمكن المبالغة في القول، أن الإحساس بروح العروبة والإسلام، لا يظهر إلا في نشرات الإخبار لما يتم الإعلان عن إطلالة هلال العيد في الدول العربية و الإسلامية، أو أثناء إجراء بطولات رياضية عربية أو قمة من قمم الجامعة العربية أو مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي…، أو لما يتبادل الملوك والرؤساء والقادة العرب والمسلمين، تهاني العيد عبر برقيات مجـردة من كل إحساس، إلا إحساس المجاملة والمحاباة؛
وحتى هذا الإحساس الأخير، لم يعد له مكان في طباع بعض الأنظمة المفلسة، بعضها ألف الاقتيات على إثارة النعرات والدسائس والمؤامرات، والعيش على أوهام التفرقة وتشتيت الشمل والانفصال، في انتهاك جسيم لمبادئ الأخوة والدين والعروبة وحسن الجوار، ونقصد هنا، نظام الشر بالجزائر الذي بلغ عداؤه للمغرب عثيا، وربما يستحق نيل جائزة نوبل للعداء والبؤس عن جدارة واستحقاق، وبعضها ركب على صهوة الاقتتال، كما يحدث في المسرح السوداني بين جيش البرهان وقوات الحمدان، بين أبناء وطن واحد، حولته الأنانية والفساد والمؤامرات، إلى مختبر تجارب، يتعاقب عليه “أنانيون” و”مفلسون”، يعمقون بتيههم وحمقهم وسوء تبصرهم، أنين شعب بات رهينة القهر والبؤس، وجراح وطن عربي، يزداد ضعفا في ضعف ووهنا في وهن، وهذا الوضع المقلق، بقدر ما يقوي الإحساس بالخيبات و يضعف من القدرات والمواقف، بقدر ما يقدم خدمات مجانية، لقـوى إقليمية ودولية، لتفرض سطوتها و”أسلوب لعبها” و”أجنداتها” في ملعب عربي إسلامي، يكتفي فيه العرب والمسلمون بلعب دور “الكومبارس”، بعدما صنعوا تاريخ العالم وطبعوا حضارته، في زمن المجد والسمو والرخاء والبهاء؛
جائحة كوفيد 19، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تضـع أوزارها بعد، هي متغيرات، جيوسياسية دولية، تدفــع في اتجاه إعادة تشكيل خريطة نظام دولي جديد، يجنـح نحو تعدد الأقطاب إذا ما استحضرنا العملاق الصيني والدب الروسي وريث الاتحاد السوفياتي سابقا، وطموح بعض القوى الصاعدة من قبيل الهنـد والبرازيل وتركيا، وفي ظل هذه الفسيفساء الآخـذة في التشكل، يعيش العالم العربي والإسلامي حالة ليس فقط من التشرذم والشتات، بل و من “الصمت” و”الفرجة” و”الانبطاح” “والتواكل”، في سياق جيوسياسي دولي، يفرض طـرح أسئلة العداء والتشرذم والمؤامرات الوضيعة، والجنوح الذي لامحيد عنه، نحــو الوحدة ولم الشمل، من أجل تقوية الموقف العربي والإسلامي، بما يساعد على إحداث قطب “عربي” و”إسلامي”، يدافع عن قضايا العرب والمسلمين من موقع قـوة؛
وبدون شك، فالعالم العربي والإسلامي، يتوفـر على كل مقومات التمكن وشروط القوة والريادة العالمية، لما حباه الله عز وجل، من طاقات بشرية مهمة ومؤهلات جغرافية وثروات طبيعية هائلـة، بشكل يؤهله للحصول على موضع قـدم، في نظام عالمي جديد خريطته آخذة في التشكل والتبلور، ليس فيه مكان للضعفاء والبسطاء والأنانيين والمترددين والمتوكلين والمقتتلين، ونظن، لا تنقص سوى الإرادة الحقة، وتقدير تداعيات ثقافة التفرقة وتشتيت الشمل على حاضر ومستقبل العالم العربي والإسلامي، واستحضار رقي دين جعلنا أمة واحدة…
وفي المجمل، وبما أن العيد يقتضي التبريك والتهنئـة، فلا يمكن إلا ترك مشاهد اليأس والإحباط على مضض، والتوجه بخالص التهاني وصادق الأماني إلى قائد الأمة وضامن وحدتها واستقرارها ومهندس بنائها ونمائها، جلالة الملك محمد السادس، راجيين من الله العلي القدير، أن يشمله بموفور الصحة والعافية، ويوفقه لما فيـه خير وصلاح للبلاد والعباد، وإلى الشعب المغربي قاطبة، آمليــن أن يدرك ما يتطلـع إليـه من تنميـة ورقي وتقدم وازدهـار تحت القيادة الرشيدة لعاهل البلاد أيده الله، وإلى حكومة “التحالف الثلاثي”، التي لابد لهـا أن تتحمل مسؤولياتها كاملة أمام الله والوطن والملك، وعدم التراخي في تصحيح المسار، مراعاة لاتساع دائرة اليأس والإحباط في أوساط المجتمع، وتقديرا لما لذلك، من آثـار متعددة الزوايا على “اللحمة الوطنية” و”الجبهة الداخلية”، ومن تداعيات على “السلم الاجتماعي” و”النظام العام”، وأن تقلع عن إنتاج السياسات العمومية و”الخرجات”، التي لا تزيد طين اليأس والإحباط وفقدان الأمل، إلا بلة، وتقوي الإحسـاس لدى البعض بجنوح البلد نحو حافة التحكم والتعالي والاستقواء، سائلين المولى عز وجل، أن يديم نعمـة الأمن والوحدة والاستقـرار على هذا البلد الأمين، الذي ضحى من أجله الآباء والأجداد، إلى أن وصل إلينا سليما معافا، ومن غيـر اللائق بل من غير المقبــول، أن نترك “بيضتـه” بين أيادي العابثين والمفلسين والوصوليين والانتهازيين ومنعدمي الضمير وتجار الأزمات…؛
ونفس التهاني وذات الأماني، نقدمها إلى الأمة العربية والإسلامية جمعاء، متضرعين إلى الخالق جل علاه، أن يحيطها بنعمة الأمن والاستقرار والسكينة، وأن تجنح نحو الوحدة وجمع الشمل، بما يضمن تقوية الموقف العربي الإسلامي على الساحة الدولية، والإسهام في تحقيق ما تتطلع إليه الشعوب العربية والإسلامية من أمن ووحدة واستقرار وتقدم ورخاء وازهار، أما بعض الأنظمة العربية اللامسؤولة، فنأمل أن تقلع عن ممارساتها الوضيعة ومؤامراتها الحقيرة المهددة للأمن القومي العربي، وإذا لم تستحـي، فيمكنها أن تفعل ما تشاء، لكنها لن تزداد إلا وقاحة وحقارة وبؤسا وانحطاطا، في وطن عربي، آن الأوان ليتخلص من دعاة الفتن والتشرذم، وصناع الدسائس ومهندسي المؤامرات…،
ولايمكن أن ندع الفرصة تمر، دون تهنئة صناع الأمن والاستقرار الذين يضحون بالغالي والنفيس، في سبيل حماية الأرض وسلامة التراب، والسهر على توفير ما يتطلع إليه المواطنون من أمن واستقرار وطمأنينة وسكينة، من قوات مسلحة ملكية ودرك ملكي وأمن وطني، وقوات مساعدة وجمارك ووقاية مدنية..، واستخبارات مدنية وعسكرية، منوهين بما يتحملونه من مهام جسام حرصا على سلامة الوطن والمواطنين، تستحق الشكر والتقدير والاعتبار، وتهنئة كل المسؤولين/ المواطنين الشرفاء والنزهاء والصلحاء، الذين يخدمون الوطن ويساهمون في رقيه وازدهاره في صمت، بوطنية حقة وتضحية ووفاء وإخلاص لثوابت الأمة ونكـران للذات، ونختم بالقول: “عواشر مبروكة” .. “صح عيدكم” وكل عام والمغرب والعالم العربي والإسلامي بخير وأمن واستقرار وهناء …