حديث ” دبلوماسي “
بقلم : عزيز لعويسي
خرج السفير الروسي السابق المعتمد بالجزائر، خرجة إعلامية حضر فيها التهور والتسرع، وغابت فيها قواعد التبصر الدبلوماسي، بعدما عبر عن مواقف غير محسوبة العواقب، معادية للمغرب ومؤيدة لطرح خصوم وأعداء الوحدة الترابية، في لحظة كانت تقتضي الحياد والتحفظ، بالنظر إلى حساسية الملف، واستحضارا لما تمثله قضية الصحراء بالنسبة للمغرب ملكا وحكومة وشعبا، وبما أن الانسياق وراء حمق وتهور النظام الحاقد تقود إلى الانتكاسات والخيبات والمصائب، فما صدر عن السفير الروسي من تصريح غير مسؤول، عجل بإنهاء مهامه بناء على مرسوم رئاسي صادر عن الرئيس “فلاديمير بوتين”، وتم تعويضه للتو بالسفير الروسي بالرباط، في إشارة من الكريملين حاملة لرسالتين لا ثالث لهما.
الأولى موجهة إلى المغرب في أن ما صدر عن السفير الروسي بالجزائر من تصريحات، لا يعبر البتة عن الموقف الرسمي لروسيا فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، كما أن التعجيل الفوري بإنهاء مهام هذا السفير، معناه أن العلاقات المغربية الروسية قائمة على المسؤولية والاحترام والتعاون المشترك، وأن روسيا تنظر إلى المغرب كقوة إقليمية صاعدة، يمكن أن تراهن عليها من أجل التموقع الجيد في الأسواق الإفريقية الواعدة، وكصديق وشريك استراتيجي موثوق به، بناء على الحنكة التي أدارت بها الدبلوماسية المغربية النزاع القائم بين روسيا والغرب بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، أما الثانية فهي موجهة إلى الداخل الجزائري وخاصة إلى من يتحكم في أزرار السياسة الجزائرية، في أن مواقف روسيا ثابتة ومسؤولة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهذه المواقف لا يمكن أن تخضع لأي تدخل أو تأثير أو مساومة أو ابتزاز من جانب نظام العسكر، مهما كانت طبيعة العلاقات التي تربط موسكو بالجزائر.
المعالجة الفورية للرئيس الروسي لما صدر عن سفيره من انزلاق فاقد للبوصلة، هو “صفعة ناعمة” موجهة إلى نظام السوء الذي بدون شك، كان يراهن على كسب نقط دبلوماسية مؤيدة لطرح الانفصال صادرة عن سفير دولة وازنة ومؤثرة بحجم روسيا عبر الرهان على أدوات “الاستدراج” أو الاستمالة” أو “التأثير” أو “شراء الذمم”، في محاولة بئيسة للرد على الفتوحات الدبلوماسية المغربية، وربح “نقطة دبلوماسية” تحفظ ماء الوجه في زمن الصفعات والخيبات، وهو في ذات الآن، يعد امتدادا للنزالات الدبلوماسية التي كسبتها الدبلوماسية المغربية عن جدارة واستحقاق منذ الاعتراف الأمريكي غير المسبوق بمغربية الصحراء، أمام دول بحجم وقيمة فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا، التي غيرت مواقفها بالجنوح الذي لا محيد عنه نحو صف الوحدة الترابية للمملكة والإقرار بنجاعة ومصداقية مقترح الحكم الذاتي، مفضلة بذلك مسلك الواقعية والموضوعية والتبصر والمصالح المتبادلة، عوض ما اعتادت عليه من استفزاز وتحرش وابتزاز وازدواجية مواقف.
هي إذن، معركة دبلوماسية صامتة تكسبها الدبلوماسية المغربية التي يقودها الملك محمد السادس بحنكة ورصانة واقتدار، تعزز ما تحقق من حصاد دبلوماسي وفير، كان آخره فتح سفارة لجمهورية سورينام بالرباط وقنصلية عامة لها بمدينة الداخلة، كتتويج لمجهود دبلوماسي رصين مكن من قلب المعادلة داخل مجموعة دول الكرايبي، حيث كسب المغرب مواقف داعمة لقضية الوحدة الترابية للمملكة لما مجموعه 12 من أصل 14 دولة، بعدما كانت هذه المجموعة تعترف بالجمهورية المزعومة سنة 2009 ماعدا دولة الباهاماس، ويرتقب أن تنضم باقي الدول إلى الطرح المغربي، في أفق منتدى المغرب والكاريبي المرتقب عقده بمدينة الداخلة متم العام الجاري، وفي ظل إصرار المغرب على اقتحام ما تبقى من القلاع التي لازالت مؤيدة لأوهام الانفصال أو مترددة أو تقف عند عتبة الحياد.
نجاحات اقتصادية وتنموية واستراتيجية حققها المغرب في معاركه القدرة مع نظام السوء، وازتها وتوازيها فتوحات دبلوماسية داعمة للوحدة الترابية للمملكة، جانحة نحو خيارات الأمن والوحدة والاستقرار والتعاون ولغة المصالح المشتركة، مقابل ذلك، يواصل دعاة الوهم والانفصال، نهج سياسة توزيع ” صكوك النفطان” على غرار “صكوك الغفران”، عبر الاستمرار الغبي في الرهان على دبلوماسية النفط والغاز والأبواب المفتوحة، وفيا كل الوفاء لعاداته القديمة وطباعه البالية، الخادمة لعقيدة العداء الخالد للمغرب ووحدته الترابية، دون أي اعتبار يذكر لا لمصالح الشعب الجزائري الشقيق الذي يعيش أزمة خبز وحليب وخضر وفواكه…، ولا لتكلفة الاستمرار في إنتاج دبلوماسية العداء والغباء على البناء والنماء والرخاء، وعلى العيش المشترك في إطار فضاء مغاربي وإفريقي آمن ومستقر ومتعاون ومزدهر، وعلى النظام ذاته، الذي بات وجها لوجه أمام كابوس الانفصال.
في هذا الصدد، وعلى امتداد عقود من الزمن، ظل هذا النظام المتهور، وفيا كل الوفاء لعقيدة العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، وكان من الطبيعي أن تقوده هذه العقيدة الغبية إلى حافة الحمق والجنون، وهو يدفع قبل أيام، بعصابة تندوف إلى إشهار سيف التطرف والإرهاب في وجه المغرب، في خطوة “صعلوكية” يصعب فهمها أو تفهمها، إلا داخل نطاق الصعاليك وقطاع الطرق، ويصعب استيعابها، بمعزل عن مفردات اليأس والبؤس والعزلة والغباء والعداء.
استحضارا لكل ما طال قضية الوحدة الترابية من متغيرات دبلوماسية وجيوسياسية ومن إجماع دولي غير مسبوق، وبناء على ما صدر عن “كلاندايزر” عصابة السراب من تهديدات للمغرب، حاملة لمشاعر التطرف والإرهاب، يبدو أن قضية الصحراء المغربية حسمت من جميع الزوايا، والمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها مهما حسد الحاسدون وتآمر المتآمرون وتحرش المتحرشون، أما خيار “الحكم الذاتي”، فنرى في تقديرنا أنه لم يعد ممكنا الرهان عليه لطي ملف هذا النزاع المفتعل، في ظل إشهار الانفصاليين ومن يتحكم في حركاتهم وسكناتهم لسلاح الحرب والتطرف والإرهاب، وتمادي نظام العسكر في إنتاج دبلوماسية العداء والغباء وما يرتبط بها من تأثير ومساومة وتوزيع لصكوك “النفطان” للمس بالوحدة الترابية للمملكة، وعرقلة مسيرة البناء والنماء التي يقودها المغرب بصمت وتبصر وسداد، بدل استحضار لغة العقل والحكمة والحوار واستحضار المصالح المشتركة، لطي هذا النزاع المفتعل، لما له من فاتورة ثقيلة وثقيلة جدا على البلدين وعلى شعوب المنطقة برمتها.
وقبل هذا وذاك، في ظل انخراط المغرب في مشاريع اقتصادية وتنموية واستراتيجية وازنة لايمكن إلا أن تكون داعمة للوحدة الترابية للمملكة، من قبيل “مشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب أوربا” و”مشاريع الطاقات البديلة” و”مشروع مد أطول كابل كهربائي في العالم بين المغرب وبريطانيا'”، و”مشروع “ميناء الداخلة الأطلسي” الذي من شأنه أن يكرس جهات الصحراء كواجهة أطلنتية تجارية واستثمارية عالمية، فضلا عن الإمكانات المعدنية والطاقية التي من المرتقب أن تكشف عنها التنقيبات الجارية في أكثر من مستوى، والتي من المنتظر أن تقوي من القدرات الاقتصادية والدبلوماسية والإشعاعية للمملكة.
ولا حل في الأفق، سوى الرهان على طريق التنمية والإصلاح في إطار “النموذج التنموي الجديد” وما سيتربط به من مشاريع وبرامج تنموية ودينامية إصلاحية، والمضي قدما في اتجاه تنزيل مختلف أهداف ومقاصد “النموذج التنموي للصحراء” بما يضمن تعزيز مستوى التنمية بمختلف مدن وأقاليم الجنوب، والانخراط في شراكات اقتصادية واستراتيجية وازنة مع الأشقاء والأصدقاء، لتحويل الصحراء إلى واجهة اقتصادية جذابة، قادرة على خلق جسور اقتصادية وتجارية وثقافية وإنسانية بين أوربا وغرب إفريقيا، بما يخدم قضايا الأمن والوحدة والاستقرار والتعاون والرخاء والازدهار.
في انتظار أن يفك قيد المحتجزين – من أصل مغربي صحراوي- بمخيمات الوهم والسراب، ليعودوا إلى وطنهم الأم، آمنين مطمئنين، وينعموا بما وصلت إليه الصحراء المغربية من أمن واستقرار وبناء ورخاء وازدهار، وفي الختام، يؤسفنا قولا، أن نجد دولا غير عربية وغير إسلامية، تمد يدها إلينا وتربط معنا جسور الصداقة والتعاون والتشارك، وتبني معنا لبنات المستقبل، وبجوارنا إخوة أشقاء، باتوا اليوم مستعدين للتحالف مع أي كان ولو اقتضى الأمر مع الشيطان، لضرب مصالحنا وعرقلة مسيرتنا والمساس بوحدتنا وأمننا واستقرارنا …
بئس لكم أيها الحاقدون .. هكذا تكون العروبة وهكذا يكون الإسلام وهكذا يكون حسن الجوار… هنيئا لكم بعدائكم وغبائكم … هنيئا لكم بعبثكم الذي تجاوز الحدود … هنيئا لكم بالانفصال الذي بات يتربص بكم أكثر من أي وقت مضى… يؤسفنا إخباركم، أن البساط قد سحب من تحت أقدامكم ولم يتبق أمامكم سوى إتمام المباراة في شوطها الأخير، أما النتيجة فقد حسمت، لأنكم راهنتم على خطط الوهم والسراب ولم تلعبوا قط بتكتيك الواقعية والموضوعية والتبصر، وعولتم على أدوات قدرة بعيدة كل البعد عن اللعب النظيف والروح الرياضية، ولم تعولوا على لغة الحوار والتعاون والمصالح …
عودوا رجاء إلى رشدكم واتركوا عقد التاريخ ولو مرة وانظروا إلى المستقبل، وإذا لم تفعلوا ذلك، فعلى الأقل “استتروا”، لأن عورتكم باتت مكشوفة للعيان …لو كان بإمكاننا أن نزحزح القارات أو نغير خرائط الجغرافيا، لابتعدنا عنكم لمسافات طويلة، لأننا يئسنا من عبثكم وحمقكم ومراهقاتكم، لكن فرضت علينا الجغرافيا أن نجاوركم على مضض، وأن نتحمل مكرهين لغطكم الدبلوماسي آناء الليل وأطراف النهار، إلى أن يظهر فيكم حكماء وعقلاء، يستحضرون الدين والعروبة وحسن الجوار ولغة المصالح المتبادلة، ويبنون معنا فضاء مغاربيا وإفريقيا موحدا وآمنا ومستقرا ومتعاونا ومزدهرا …