حوار مع الكاتب المغربي صاحب مذكرات احميدو إنجاز : عزالدين الماعزي

admin2 ديسمبر 2022آخر تحديث :
حوار مع الكاتب المغربي صاحب مذكرات احميدو إنجاز : عزالدين الماعزي

أصداء مازغان : حوار عزالدين ماعزي

مذكرات احميدو سيرة روائية وليست سيرة ذاتية
تقديم : 

الكتابة متعددة المكابدة تستدعي الإنصات والمساءلة، في ظل العبور والعثور على الإجابة المشتركة خلف الشكل الفني الجمالي المتحرر من كل الأعباء، تنحفرُ وتتشكل فيه التوترات والتوقعات..
إنها كتابة إصرار، بحث وصمود، لغة تأخذ من الواقع، تنسج رتقاً، تكبر باستمرار بين دهاليز الذات لتومض وتبدأ من جديد، موغلة في تشكيل وتركيب العناصر الغامضة كيميائيا، تسطر تجربة متواترة تنم عن جدة متدفقة.
أن تكتب حوارا مع أحدهم هي محاولة الحفر في حراك فكري مشترك؛ يعني أنك تعلن بجرأة خوضك غمار نهر جذاب يضطرب في تحديد الوجهة بدافع المغامرة ولذة الكشف..
هل يأتي هذا الحوار ليؤكد على أحقية الفكر والأفكار في توليد المعاني، ومتابعة مسارات الحياة (تجارب) ؟
إن السيرة ككتابة هي بمثابة البوصلة التي تخفي وتضمر أكثر ما تظهر، حتى ولو كانت العين خادعة. إنها أول أساس في استنبات التاريخ والأدب والقيم، والامتداد الجغرافي وتطوره. وهي ليست بنباتٍ غريب بل لها علاقة وطيدة بكافة الأجناس الإبداعية : الرواية والشعر والمسرح.. وأثرها البالغ ظاهر وجليّ.
هل يمكن أن يُصفّي الكاتب حسابَه في السيرة مع وضدّ نفسه أو الآخر، أم يعقد تصالحا مع إشكالية ذاته..؟
في هذا الحوار الشّيق، نتابع خطوَ الكاتب أحمد المودن لنتعرف دهاليز ابداعه ومخلفاتها وآفاقها وتشكلاتها.

س1- متى وكيف جئتَ إلى الكتابة الابداعية..؟
ج 1 – بداية الكتابة كانت بالنسبة إلي منذ المرحلة الإعدادية والثانوية، فقد كنت أكتب محاولات عبارة عن خواطر وأشعار، وأحتفظ بها لنفسي، كما أنني كنت أهوى المراسلة مما ساهم في تطوير وتحسين أسلوب الكتابة بالمقارنة مع باقي التلاميذ.
طبعا سبب حبّ الكتابة هو أنني كنت أعشق القراءة، فقد كنت أقرأ كل شيء أصادفه، سواء كان كتابا أو جريدة أو مجلة ملقاة بالقمامة…
لكن الكتابة بمعناها الحقيقي بدأت خلال المرحلة الجامعية من خلال نشر بعض المحاولات الأدبية ببعض الجرائد الوطنية. أما الانطلاقة الحقيقية فبدأت مع ظهور الفايسبوك هنا بدأت بنشر مذكراتي وكذا القصص القصيرة التي كنت أكتبها. ولعل التشجيع الكبير الذي لقيته من طرف القراء هو السبب في احتراف الكتابة والطبع والنشر. والحمد لله أنا حاليا أعمل على تنقيح عملين عبارة عن مجموعة قصصية، وكذا رواية قصيرة.

س 2 – استأثرت الكتابة الذاتية أو السيرة الذاتية باهتمام القراء والباحثين لتكون أكثر إغراء بالمتابعة والقراءة..، مذكرات احميدو تدخل في هذا الاتجاه -وكما قلتَ سابقا- كان لها حضور وصيت واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.. كُتِبَتْ بروح طفولية وبدهشة عارمة وأحلام كبيرة؛ هي لحظات من
استعادة لحظات من حياة الطفل احميدو في الفصل الأول، أما الثاني فتمحور حول تفاصيل وجزئيات تاريخ المنطقة، هي رغبتك بالذات- في البوح والتحدي والمغامرات لبناء لحظات فضح الواقع المرير الذي تعيشه المنطقة ونفض الغبار عنها… ما رأيك؟
ج 2-   فعلا لقد حاولت تقسيم الكتاب إلى جزأين، الأول عبارة عن سيرة ذاتية، لكنها اكتست الطابع الجماعي، بحيث حاولت أن أكتب سيرة لجيل بأكمله، وليس لي وحدي، ومن خلال هذه السيرة التي أأكد أن ثمانين بالمائة منها يشكل سيرة ذاتية للكاتب، لكن العشرين بالمائة الأخرى فيها خيال ومحاولة لإيصال رسائل تتعلق بالمورث الشعبي، والعادات المحلية…
أما الجزء الثاني فبطل السيرة الروائية أصبح أكثر نضجا لأنه خرج من محيطه واكتشف مدى التأخر والإهمال الذي تعاني منه منطقته على جميع المستويات، والأخطر هو حرمانها من تاريخها الذي لم يُكتب، وتخلفها عن ركب التنمية…مما جعل البطل يحاول القيام ببحث تاريخي وكذا حاول أن يعطيَ درسا للآخرين لعله يكون قدوة ، وذلك بالقيام بمشروع ببلدته بعدما تحسنت أحواله، وكأنه يقول إن الأرض ينميها ويقدمها أهلها…
  
س3،- الكتابة بضمير الغائب.. كيف تراها..؟ هل هي قناع ومواربة عوض الكتابة بضمير المتكلم..
ج3- الكتابة بضمير الغائب تغني الكاتب وتعفيه من إلصاق المحتوى مباشرة بشخصه، فالكتابة بضمير المتكلم تصلح في السيرة الذاتية الحقيقية والواقعية بلا زيادة ولا نقصان، وبالتالي تكون أشبه بالتأريخ.
أما الكتابة بضمير الغائب فهي طريقة منطقية لمن يريد أن يكتب سيرة روائية، فيها إضافات وحوادث من إنتاج خيال الكاتب.
فمثلا في سيرتي الروائية ” مذكرات احميدو ” كتبت بضمير الغائب، وغيرت أسماء كل الشخصيات وذلك بأسماء قريبة لها أو من جنسها، وذلك تفاديا للمحاسبة، وقد حصلت المحاسبة فعلا من طرف الزوجة والأولاد، فكان علي أن أجيب عن أسئلة كثيرة ، مثلا : من هي نبيلة؟ أهي أمي ؟ ومن هي جميلة؟…
فكان جوابي الوحيد: الكتاب سيرة روائية وليس سيرة ذاتية… وفيها نسبة تتعدى العشرين بالمائة من الخيال…لذا لا يمكنني أن أجيبكم.

س4- نعود إلى إشكالية التعريف، ما سبب اختيارك لكلمة مذكرات عوض يوميات أو سيرة..؟
ج4 – كانت عادتي ان أحمل معي مذكرة أدون فيها كل ما يخطر ببالي… وكلما امتلأت واحدة استعملتُ أخرى، حتى أصبح لدي خزانة بها عدد لا يستهان به من المذكرات، وقد كان أغلب ما تحتويه هو ذكريات وأفكار ويوميات وتجارب، وقصص وخواطر…فقمت بغربلة محتوى هذه المذكرات التي تقابلها في اللغة الفرنسية كلمة ” les agendas ” لتعطينا كتابا بعنوان ” مذكرات احميدو “. إذن هنا كلمة ” مذكرات ” هي جامعة لليوميات والذكريات والأفكار التي لها علاقة بحياة فرد كجزء من مجتمعه…إنها مذكرات تمت كتابتها على مذكرات ( des souvenirs écrites sur les agendas).
وللأمانة فقط فلا يمكنني اعتبار ” مذكرات احميدو” سيرة ذاتية لي، لأنها تتضن مجموعة من الأحداث لا علاقة لي بها ولم أعشها كفرد، ولكن عاشها الآخرون بمحيطي فنقلتها بطريقة تسمح لي بإيصال فكرة أو رسالة معينة، ولهذا فضلت أن أسميها سيرة روائية، لأنها تتضمن نسبة مهمة من الخيال، لكنه خيال نقلت من خلاله الواقع الذي كنت شاهدا عليه أحيانا أو وصلني عن طريق مصادري الخاصة.

س5- كتابة الحوار باللهجة المحلية فيه صعوبة لقارئ المذكرات.. كيف ترى الامر..؟
ج5- كتابة الحوار باللهجة الجبلية كان متعمدا، لسببين، أولهما هو أن المذكرات كانت موجهة عند بداية نشرها بمواقع التواصل الإجتماعي لقراء معينين، داخل مجموعات جبلية محلية، وقد لقيت ترحيبا وقبولا بشكلها ذاك، بل ورغبة من لدن العديد من المهتمين بضرورة الحفاظ على نفس النسق الذي نزلت به المذكرات في بدايتها.
اما السبب الثاني فهو اقتناعي التام بأن اللهجة لا يمكن أن تكون حاجزا، والدليل هو اللهجة المصرية يوم جاءت بها الأفلام والمسلسلات المصرية، في البداية لم نكن نعرف معنى العديد من الكلمات، لكن مع غزو هذه الإنتاجات الوسائل السمعية البصرية المغربية، أصبح الأمر في غاية البساطة… إذن لماذا لا يكون كتاب “مذكرات احميدو ” وإلى جانبه انتاجات أخرى سمعية بصرية، سببا في نشر اللهجة الجبلية؟!
وللإشارة فقط، فقد تم وضع شرح للمفردات الجبلية بآخر الكتاب لتساعد القارئ الذي لا يتقن هذه اللهجة على معرفة محتوى الكتاب.

س6- مذكرات احميدو تعبير وتأمل ورصد لأشكال الحياة بطريقة ما.. هل هي نص اكتمل أم هي بداية لمشروع كبير..؟
ج 6 – مذكرات احميدو هي بداية لمسيرة إبداعية لن تتوقف إن شاء الله إلا بتوقف نبضات قلب الكاتب أحمد المودن، لأن الأخير يرصد كل كبيرة وصغيرة ويقدمها للقارئ في أغلب الأحيان عبارة عن نصوص يشكل احميدو جزءا من شخصياتها…
احميدو الذي سيأتي بطلا في أغلب القصص القصيرة التي سوف أنشرها لاحقا، أو الرواية القصيرة التي أعمل عليها حاليا ، هو نسخة أكثر نضجا لاحميدو الذي قرأنا عنه بكتاب مذكرات احميدو، هذا كل ما في الأمر.

س7- اتسمت الكتابة في مذكرات احميدو بالنقد وتشخيص الواقع؛ تعرية البعد الاجتماعي واطلالة على تاريخ منطقة جبالة.. وكانك تسعى إلى بناء هوية فردية/ جماعية لفهم الحاضر، تسائل تاريخ المنطقة وتواجه الإرث الذي يندثر وكأنك تسعى إلى إعادة كتابة تاريخها..
ج7- الجيل الحالي غير مهتم بتاريخ مناطقه، وهذا ما لمسته لدى القارئ البسيط وكذا لدى الطلبة الباحثين، لذا حينما قررت إقحام جزء من تاريخ منطقتنا ضمن محتوى الكتاب فقد كان ذلك أشبه ما يكون بوضع الدواء في مشروب حلو حتى يتم أخذه دون تردد…
مذكرات احميدو قد تبدو للقارئ العادي مجرد حكايات عادية، لكن الكاتب يحاول إثارة مواضيع كبرى من خلال تعرية الواقع، وانتقاده، دون الخضوع لقيود المجتمع والسلطة والخوف الذي تربينا عليه منذ نعومة أظافرنا.
الأمم التي لا تاريخ لها، لا يمكنها بناء حاضرها، وهذا ينطبق حتى على المجتمعات الصغيرة…وقد اغتنمت فرصة دراستي للتاريخ لأكتب عملا ذا طابع خاص، لأن الرواية شيء والتاريخ شيء آخر، ولكي يتم المزج بينهما في عمل واحد، فهذا يتطلب أن يكون الكاتب مؤرخا.

س8- بماذا توحي لك صورة/ لوحة الغلاف..؟ ولماذا….؟
ج8- صورة الغلاف تمثل بالنسبة إلي المهد أو نقطة الانطلاقة، إنها البساطة في أبهى حللها، سواء من حيث السكن، أو الناس، أو الطقوس خلال الأفراح… وتزداد الصورة أهمية حينما نقارنها بالمظْهر الذي أصبحت عليه حاليا.

س9- ما هي الكتب التي تقرأ..؟
ج9- أغلب الكتب التي أقرأها هي إما روايات أو قصص قصيرة أو مجموعات قصصية، أو كتب تهتم بالتاريخ، خاصة ما يتعلق بشمال المغرب والأندلس، وهذا لا يمنع من قراءة كتب أخرى متنوعة، خاصة وأن التطور التكنولوجي سهل إمكانية الحصول على كتب عالمية بضغطة زر.

س10- بماذا توحي لك هذه الكلمات ( باقتضاب) :
ج 10- الطفولة : جذور، قد لا تظهر لكن تأثيرها موجود باستمرار حتى الموت.

التمرد : نمط حياة، فالاستبداد والطبقية يولدان التمرد تلقائيا.

الكتابة : هواية، أكسجين، ترياق، سلاح.
الأحلام : هي كل ما تبقى لنا في هذا البلد، إنها فسحة البؤساء.

المدينة : عالم متشعبٌ، لكنه يصبح ملجأً وحلا، حينما تصبح الحياة بالبادية قاسية أو مستحيلة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة