حين تصبح الحكومة مواطنة..
تشكو بدل أن تحكم !
بقلم : محمد أمين سملالي
إذا كنت من محبي السياحة المغامراتية، فالمغرب اليوم يقدّم لك تجربة فريدة من نوعها:
سياحة الفساد ”المُمأسس”
لن تحتاج إلى مرشد سياحي، فكل
وزير في الحكومة سيتكفّل بإرشادك عبر تصريحاته النارية التي تشكو لك حال الأسواق، تمامًا كما يشكو المواطن العادي المكتوي بنار الأسعار في الأسواق.
الفرق الوحيد؟
أن المواطن لا يتقاضى راتب وزير.
الجولة الأولى: احتكار الأسواق… وجهة بلا قانون
ابدأ جولتك خلال الشهر الفضيل في الأسواق المغربية،حيث لا تتحكم قوانين الاقتصاد، بل تحكم “عائلات المال والنفوذ”.
هنا، لا يحتاج التجار إلى مهارات البيع والشراء، بل فقط إلى معرفة الأسماء الصحيحة والهواتف المناسبة.
ولأن الحكومة تعرف هؤلاء، فإنها تتحدث عنهم كثيرًا في الندوات الصحفية، لكنها لا تفعل شيئًا حيالهم. ربما تخاف أن تقطع رزقهم، أو ربما تنتظر أن يخرج المواطنون للاحتجاج بدلاً عنها!
المحطة الثانية: “مول السردين”… عندما تصبح المنافسة الحرة جريمة
هذه الجولة، ستقودك إلى مدينة مراكش، وستتعرف على قصة “مول السردين”، بطل المنافسة الحرة الذي لم يعجبه هامش الربح المبالغ فيه، فقرّر بيع السردين بسعر مناسب.
النتيجة؟
حملة قمعية جعلت منه درسًا لكل من تسوّل له نفسه كسر الاحتكار. فهنا، لا أحد يتحدث عن “حرية السوق”، إلا عندما يتعلق الأمر بتحرير الأسعار لصالح المضاربين.
المحطة الثالتة: فرجة مسرحية واعترافات حكومية بلا محاسبة
إذا كنت تحب مسرحيات العبث، فستعشق المشهد السياسي المغربي:
وزراء يفضحون الفساد وكأنهم نشطاء حقوقيون، لا رجال دولة يمتلكون السلطة لوقفه.
وزير الميزانية يخبرنا أن أسعار الأدوية فيها هامش ربح 300٪، ووزير التجارة يكشف عن 18 مضاربًا يتحكمون في أسعار اللحوم، ووزير التجهيز يستنكر أكل أموال المغاربة…
لكن، لا أحد يتحرك.
ربما ينتظرون أن يتحرك المواطنون نيابةً عنهم، أو أن تُحلّ الأزمة بـ”بركة” من السماء!
النهاية السريالية: مسيرة شعبية حكومية ضد الفساد… بمباركة الفاسدين!
في بلد يُفترض أن تكون الحكومة فيه مسؤولة عن ضبط الأسواق، نجد الوزراء يبكون مع المواطنين بدلاً من أن يتصرفوا.
فماذا لو قرروا الخروج في مظاهرة ضد الفساد؟
تخيّل المشهد:
وزراء ومواطنون يسيرون جنبًا إلى جنب، يرفعون اللافتات ويهتفون ضد “الشناقة والمضاربين”، وربما بعض المضاربين سيتبرعون بتمويل المظاهرة، لأنهم في النهاية يعرفون كيف يستفيدون من كل شيء!
في هذا المغرب العجيب، قد نشهد قريبًا أكبر مسيرة شعبية-حكومية في التاريخ،
حيث يحتج الجميع ضد الجميع، بينما يبقى الفساد جالسًا في مقعد VIP،
يراقب المسرحية بسعادة
ويواصل احتكار السوق بلا منازع.