رسالة إلى الجماهير “العبّادة” للفرق البيضاوية بمدينة الجديدة
بقلم : حسن فاتح
عشية الثلاثاء الأخير، يوم مباراة الدفاع الحسني الجديدي والوداد البيضاوي، وبينما أنا أتدحرج بسيارتي بين حفر الجديدة المهدومة، وأتزحلق بين الركام والأكوام، بين الأزبال والأتربة، بين البرك المائية و”الضايات” المتعفنة، ومتفننا في مراوغة بالوعات صرف المياه، على شاكلة ميسي و مارادونا، حتى لا أحرك أوجاع كليتي، وأضاعف من أعطاب عربيتي، فيزداد الأمر سوءا على حالي ومالي.
شغّلت مكرها كل حواسي على الحد الأقصى في تلك اللحظات، حتى لا أصيب مشاءا على الطريق، يترنح مثلي وسط هذه الفوضى البدائية، فالعين والعقل واللسان مشدودين مع الممرات، بينما الأذن قد سلبها عشقا أثير المذياع، المضبوط دوما على برنامج راديو مارس، حيث المراسل الرياضي ذو الصوت الشجي، السيد “أحمد منير” وتعليقه المؤدب الجذاب، المتميز ببحة جميلة وفريدة، ووصفه الشيق بكلماته الصادقة، مستواه أحسن بكثير من الأصوات الناهقة، بالإذاعات الرياضية المغربية، فهو يذكرني بأيام فطاحلة التعليق الرياضي، كالغربي ، اكديرة، العزاوي، الشرايبي، الحياني، زدوق وغيرهم … .
وخلال وصف صديقي الدكالي لأجواء مباراة الدفاع والوداد، جدبتني لقطة في تعبيره الرقيق والدقيق، وهو ينطقه متحسرا وبنبرة حزينة، عبر فيها وقال “رغم عدم تنقل جماهير الوداد البيضاوي إلى ملعب العبدي، فقد حضر من ينوب عنهم هنا بالجديدة”، انتهى هنا كلام المعلق الرياضي.
هاته الجماهير المشجعة للفريق الأحمر يا سادة، ليسوا ببيضاويين ولا بشاويين، هم جماهير جديدية دكالية، فضلوا تشجيع فريق الضيف والخصم “الوداد البيضاوي” ضد فريق مدينتهم الأم “الدفاع الحسني الجديدي”، بدون حياء ولا حسرة ولا ندم.
إنه شيء غريب ومريب، لم نعشه لا في طفولتنا ولا في شبابنا، ولم يلقنوه لنا لا آباءنا ولا جيراننا، هذه الظاهرة تعكس جيدا، وللأسف، الحب المنعدم لهذا الجيل المخصص لمدينتهم، إنها عادة حديثة وخبيثة، تهدم ولا تبني، تصغر ولا تكبر، تقرف ولا تشرف.
كثيرة هي النعوت التي يتم إطلاقها على هذا النوع من المشجعين، فهناك من يطلق عليهم لقب “العبّادة”، وهناك من يلقبهم ب”الشيّاتة”، وهناك من يكنيهم ب”المرايقية”، بل يذهب البعض إلى تسميتهم ب”الخونة”، على اعتبار أن الخيانة هي جرثومة تضم في شموليتها الكثير من الصفات، من بينها كره الانتماء للمدينة الأم.
غريب أمر هذا النوع من الجماهير، ينقلبون على فريقهم فقط حينما يواجه الدفاع الحسني الجديدي محليا فرق الدارالبيضاء، كالوداد أو الرجاء، ويصرحون بدون حياء بأنهم وداديون أو رجاويون، وأتساءل منذ متى كانوا بيضاويين؟، الجواب “الله أعلم” !
هذا النوع من الجماهير المدسوسة بين الجديديين والدكاليين، لا تربطهم بمدينة الدارالبيضاء أية صلة أو قرابة دم، حتى يقوموا بهذا الفعل الشاذ، محسوبون فقط على سكان المدينة، ويعاكسون بغباء كل ما هو جديدي، وكأن آباءهم أنجبوهم أو أسكنوهم غصبا وظلما بالجديدة.
فهل تظن أيها “الجديدي العبّاد” بأن الفرق الكبرى كالرجاء أو الوداد، بجماهيرها البيضاوية العريضة والقوية، في حاجة لبعض الكائنات مثلك، حتى تصير فرقهم منتصرة وبطلة؟
هل وجدت يوما أيها “الجديدي المرايقي” فردا واحدا من الجماهير البيضاوية يشجع فريق الدفاع الجديدي؟
هل عندما تنضم أيها “الجديدي الشيّات” إلى الجماهير الودادية ستنمحي قزميتك وتتعملق؟
أم أنك تحاول أيها “الجديدي المريض” إزالة مركب نقص تشعر به دائما أمام الجماهير البيضاوية؟
أو أن عجزك أيها “الجديدي الخائن” عن مضاهاة مستوى تلك الجماهير يدفع بك الأمر بأن تصبح تابعا لها؟
مهما كانت ردودك فستكون حتما أجوبة خشبية، لأن مثل هذا الأمر الشنيع لا تجده بين الجماهير الأوروبية ولا الأمريكية ولا حتى الإفريقية، فالإسبان مهما وصل عشقهم للبارسا أو للريال، لن يقفوا أبدا ضد فريق مدينتهم حتى ولو كانت صغيرة وضعيفة، كما أن “الطاليان” مهما وصل غضبهم على فرقهم لن يشجعوا “الميلان” أو “اليوفي” ضد فريق مدينتهم، والفرنسيين كذلك رغم إعجابهم بباريس ونجومها لن يقفوا مع “باري” ضد فريق مدينتهم.
يا ابن مدينتي، منذ أن تفطنت عقولنا بحب الدفاع الحسني الجديدي، ونحن نشجع الفريق الدكالي، عشنا معه أفراحا وأحزانا، تخاصمنا معه، غضبنا، سخطنا، حقدنا، كرهنا وهجرنا، لكن لم نفكر أبدا، ولو قيد أنملة، بأن نخون أو نشجع فريقا ضد فريق مدينتنا الأم.
عارضنا سياسة مكاتبهم، انتقدناهم، ناضلنا ضدهم، تعصبنا، شتمنا، كتبنا مقالات وتدوينات عنهم وعليهم، لكن لم نشجع قطعا فرقا أخرى ضد فريقنا الغالي، ولم نكن أبدا “عبّادين” لأحد.
يجب أن تعلم شيءا مهما أيها “العبّاد”، مهما شجعت فرق المدن الأخرى، فلن يغير ذلك في لون جلدتك ولا في أصولك ولا في شكلك، بل ستبقى جديدي دكالي، لأنك شربت ماءها واستنشقت هواءها وأكلت خبزها.
يجب أن تضع في حسبانك أيها “الجديدي المزور”، بأنه لن ترضى عنك جماهير الرجاء ولا الوداد، حتى ولو اتبعت “ملتهم”، حتى ولو فرحت لفرحهم وحزنت لحزنهم، لأنهم جماهير أصلية وأصيلة لفرقهم، ولن يتخلوا أبدا عنها، حتى ولو هجروا مدينتهم الأم، وانتشروا في كل بقاع العالم.
يجب أن تعلم أيها “الدكالي المغشوش”، بأن فريقي الوداد والرجاء لا يحتاجا إلى تشجيعاتك، فلهم قاعدة جماهيرية عريضة وعالمية، ولهم محبين يقفون مع فريقهم في الأزمات الحالكة، ولهم من الدعم المالي الذي يجعلهم يتربعون على عرش كرة القدم المغربية لسنوات طوال.
أما فريق مدينتك فلا يملك في رصيده إلا حب ومساندة جماهيره، للتغلب على قوة وجبروت الفرق الكبرى، ومصارعة الأزمات التي قد تهوي به إلى قسم الظلمات، بين عشية وضحاها، فيصبح في خبر كان، كما حصل مع فرق عريقة كالنهضة السطاتية، الكوكب المراكشي، النادي القنيطري والنادي المكناسي.
أنا لا أدعو هنا إلى العصبية أو العنصرية، لكني أناقش أمرا هاما في كرة القدم المحلية، هو حثي لسكان مدينة الجديدة بأن يساعدوا فريقهم، حتى يكبر وينافس على الألقاب، وأصر على تغيير هذا السلوك الشاذ باليد، وإن لم أستطع فباللسان، وإن لم أستطع فبالقلب، وذلك أضعف الإيمان.
ولك الحق فقط أيها “الجديدي العبّاد” بأن تشجع تلك الفرق البيضاوية حينما تمثل كرة القدم المغربية، في المحافل القارية أو العالمية، لكن أمام فريق مدينتك، يجب أن تكون سندا للدفاع الحسني الجديدي، ندا لأندادها، وخصما لخصومها.
وفي الختام تحية كبرى للجماهير الجديدية الوفية للدفاع، ولجماهير الإلترات “دوص كالاس” و”كاب صولاي”، والرحمة والمغفرة على زعماء الجماهير الجديدية، كالمرحوم عبد الرحيم “مول الزيتون”، المرحوم بن حليمة “مول الطاكسي” والمرحومة “الحاجة العويسي”، وأتمنى العمر الطويل للحاج “مصطفى بجداد”، ولمن لم أستطع ذكر أسماءهم.