صورة وحديث : “قيلوا فإن الشيطان لا يقيل”
بقلم : حميد شعيبي
قد تكون الصورة أعلاه أكثر تحاملا على الأطفال وتحريضا على تهديدهم أو تعنيفهم لكن هي في الحقيقة صورة تحمل معان كثيرة وأصيلة؛ حيث كانت الأسرة هي قطب رحى التربية وقوة ردع ضد السلوكات المشينة والخارجة.
نشهد في أيامنا هذه انفلاتا مريعا وتقديما صريحا لاستقالة الأسرة في دورها التربوي والتعليمي ؛ نأخذ على سبيل المثال، من صميم مقاربتنا للصورة، فترة القيلولة، هذه الفترة المقدسة لدى العديد لما لها من ترويح على الجسد بعد فترة الغذاء.
في زمن ليس ببعيد كان التجوال أو الجولان بعد فترة الظهر يكاد يكون محظورا، بإرادة الجميع، تقديسا لرقدة لا تقدر بثمن ؛ كان الآباء وأولياء الأمور يرسخونها للصغار سلما أو قسرا باستعمال النعل أو الحزام الجلدي، كما الحال في الصورة.
رقدة منحصرة في الزمان، بُعيد الظهر وقبيل العصر، كما يدل عليها اسمها “القيلولة” قليلة في الزمن وكثيرة في البركة؛ يغدو الجسد بفضلها ،إنْ اكتملت بخير وعلى خير، في أوج الحيوية فيما تبقى من النهار….لكن تفقد القيلولة وهجها وجاذبيتها وبركتها عندما تتجاوز فترة العصر لتصير عيلولة يعتل الجسم من جرائها.
في أيامنا الغريبة هذه صارت الاستفادة من هذه الهدنة الربانية والاستمتاع بها مهمة صعبة المنال؛ فما أن تتناول وجبة الغذاء وتطفق عيناك مغلوبة في الانسداد حتى يقض مضجعك ووسنك هدير أطفال، منفلتين من أي رقابة، وهم يتدفقون للعب واللهو بعلو أصواتهم في الأحياء بكل ما أوتوا من حماسة مفرطة، وكأنها حرب عصابات، وإنْ تحت وطأة ظروف مناخية غير مناسبة، نتوهم أنها ستمنعهم من الخروج.
الأم والأب يتخلصان من عبث أبنائهما حتى لا يقلقا راحتهما في تصفح الفضاءات الزرقاء والخضراء والسوداء أو مشاهدة المسلسلات التركية….ويستسلمان، رغبة منهما، في خروج مثيري الهرج والمرج وقتَ القيلولة. وكل الويل إذا خرج أحد القائلين، المنعم في قيلولته، وصرخ في وجه هؤلاء الأطفال! سيلقى بالتأكيد ردود أفعال قاسية سواء من الأبناء المنفلتين المدعومين ب”فيتو” الآباء أو سيفزع هؤلاء الآباء مباشرة نحو من يطالب بقيلولته بدعوى الدفاع عن حقوق أبنائهم في اللعب وقتما شاؤوا…
اختلت القيم وصار من يطالب بحقه الفطري رجعيا وخارج النص !
لا يحلو للجار أن يزعج جاره إلا وقتَ القيلولة بحجة طرق مسمار أو تغيير موقع سرير…ولا يكترث لأبنائه وهم يطلقون العنان لحروب بونيقية مستعرة على أسقف جيرانهم….
غاب الضمير وغاب دور الأسرة في تهذيب سلوكات القاصرين وأصبحت العادات والسلوكات السيئة متوارثة ومطبع معها.
غابت القيلولة وأصبحنا نشتاق لتلك الرقدة الذهبية حيث الهدوء المطبق والحراسة القسرية مشددة على كل من تسول له نفسه الانفلات خارجا، كل محاولة تملص من القيلولة تلقاها يد تحمل نعلا على أهبة الضرب.
لا طيرا يطير أو وحشا يسير وحالة القيلولة معلنة على الجميع
فقيلوا يا عباد الله ، وربوا أبناءكم على هذا الدأب، فإن الشيطان من لا يقيل.