قطار التفاوض بين “بنموسى” و”النقابات” .. “وقوف اضطراري” أم “نهاية سير”.. !!
بقلم : عزيز لعويسي
في الوقت الذي شدت فيه أنظار الشغيلة التعليمية نحو انعقاد اجتماع “اللجنة العليا” بين الوزير الوصي على القطاع والنقابات الخمس الأكثر تمثيلية، يوم الجمعة 28 أكتوبر 2022، للحسم في موضوع “النقط الخلافية”، وتوقيع اتفاق يعبد الطريق نحو صياغة النظام الأساسي المنتظر، انتهى الاجتماع أو اللقاء على الأصح، بخفي حنين، بعدما اختارت الوزارة الوصية الهروب إلى الأمام، باقتراح إحالة النقط الخلافية على اللجنة التقنية، وتقديم “مقترحات الحل الممكنة” إلى اللجنة العليا، وهذه الخطة التكتيكية، تصدت لها النقابات الخمس مجتمعة بالرفض، اقتناعا منها – حسب ما ورد في بلاغها المشترك – أن “كل النقاش التقني قد تم حسمه باللجنة التقنية المشتركة التي استنفذت جدولتها الزمنية والموضوعاتية”.
ومهما اجتهدنا في توصيف ما حدث، فيما إذا كان “وصولا إلى الباب المسدود” أو “نهاية سير لقطار تفاوضي”، نرى حسب تقديرنا، أن الحكومة “الاجتماعية”، لم تتملك بعد، إرادة النهوض بالأوضاع المادية والمهنية والتحفيزية لنساء ورجال التعليم، مما يشكك في نواياها الإصلاحية ومدى قدرتها على الإصلاح في منظومة تعليمية، تغلي على صفيح ساخن، نتيجة عقود طويلة من الارتباك والارتجال والإهمال والتقصير، عمقت بؤر الاحتجاج والنضال والاحتقان، وفي الجهة المقابلة، “نقابات تعليمية” تتحمل بمستويات ودرجات مختلفة، مسؤولية ما بات عليه وضع الشغيلة التعليمية من مظاهر القلق والرفض واليأس والإحباط وانسداد الأفق، نتيجة مسار طويل من التفرقة والتجزئة والشتات، تشكلت معها “جبهة نقابية” بدفاع هزيل ووسط ميدان تائه وهجوم شارد الذهن، مما أتاح لصناع القرار السياسي والتربوي، الظروف الملائمة لفرض لعبهم ووضع خططهم “التكتيكية”، وتسجيل ما يحلو لهم من الأهداف، في شباك منتخب نقابي، غير متجانس تماما.
أما “الشغيلة التعليمية”، فلم تكتف بلعب “دور الكومبارس”، الذي يترقب نتائج المباريات غير المتوازنة، بل وساهمت في إضعاف النقابات وإرباك الساحة النضالية، بعد أن أنجبت من رحمها، تنسيقيات، انتشرت كالفطريات وبعثرت الأوراق، في مشهد نضالي الكل بات فيه “يغني على ليلاه”، فهذا يحاول الافتكاك من الزنزانة 10، وذاك عيونه مشدودة نحو السلم الحادي عشر وما وراءه، والآخر يبحث عن ارتقاء سريع عبر بوابة الشهادات، وأولئك يجرون وراء سراب الإدماج، وهذا يقلب الطاولة، وذاك يستعرض العضلات في الميدان…، وبين هذا وذاك، حضرت الأنانية بكل تفاصيلها، وعسكرت المصلحة بكل عناوينها، وغابت شروط النضال المسؤول والمتبصر، من وحدة وتعبئة ومسؤولية والتزام، لتتساقط الحقوق تباعا كأوراق الخريف، في لحظة ضعف بات فيها المدرس “حيطا قصيرا”، نكتفي فيها بالفرجة والاحتجاج خلف الشاشات، وبما أن المصائب تأتي تباعا، وبدل أن نجنح إلى “لم الشمل”، انبعث أو على الأقل قد ينبعث أمامنا في قادم الأيام، إطار نقابي جديد، بشرنا بما عجزت عنه النقابات والتنسيقيات، في مشهد “طوباوي” يوحي للناظرين والمتأملين أننا أمام ما يشبه “السوبرمان” أو “المهدي المنتظر” الذي سيوحد شعوب وقبائل التعليم، ويحتضن كل ما جادت به الساحة النضالية من نقابات وتنسيقيات، ويحقق كل الأحلام والانتظارات، في لمحة بصر، بمجرد “الضغط على الزر” أو ربما بمجرد تحريك “خاتم الحكمة”، أو ربما تكفيه فقط كلمة “افتح يا سمسم”…، وبذلك، سنكون على موعد مع طقس أخر، من طقوس “الارتباك” و”التيهان” و”الأنانية” و”العنترية”…
النقابات التعليمية الخمس، تراجعت إلى الخلف، مكتفية بإصدار “بلاغ خماسي مشترك”، دون أن توضح للشغيلة مخرجات لقاءات اللجنة التقنية التي تجاوزت في مجملها العشرين لقاء، ودون أن تحدد السبل النضالية الممكنة والمتاحة لتجاوز “البلوكاج القائم”، أو تفصح عن مقترحات حلول “عملية” و “واقعية” من شأنها تذويب جليد الخلاف القائم بشأن “النقط الخلافية” التي أفاضت كأس الجدل، أما الوزارة الوصية على القطاع، فقد التزمت حالة الصمت، ومن باب المسؤولية والالتزام، كان يفترض أن تتواصل مع الشغيلة التعليمية، عبر بلاغ توضح فيه “حقيقة ما جرى”، أو ما تم الاتفاق عليه مع النقابات منذ افتتاح أولى جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي، وتشخص طبيعة “النقط الخلافية” التي أوصلت قطار التفاوض إلى حالة التوقف الاضطراري أو التوقف النهائي، وبين النقابات والوزارة الوصية على القطاع ومن ورائها الحكومة الاجتماعية، ارتفع ويرتفع منسوب القلق واليأس والإحباط والانتظار في أوساط الشغيلة التعليمية.
وهذا الوضع المقلق، يسائل بدرجة أولى صناع القرار السياسي والتربوي، ومدى مصداقيتهم وحسن نيتهم في النهوض بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية والتحفيزية لنساء ورجال التعليم، ويسائل بدرجة ثانية النقابات التي آن الأوان لتتحرك في اتجاه الوحدة ولم الشمل، لتشكيل “جبهة نقابية”، قادرة ليس فقط، على الإزعاج والإحراج، بل ولتكون “قوة اقتراحية” من شأنها الإسهام في تقديم “الحلول المبتكرة” في إطار من “الواقعية” و”المسؤولية” و”التبصر”، أما “الشغيلة التعليمية” فلم يعد مقبولا أن تظل رهينة دور “الكومبارس”، وآن الأوان أن تتقمص الأدوار الرئيسية والمؤثرة، وفي خاتمة المقال، وبقدر ما نتأسف على ما آلت إليه مهنة المدرس من تراجع وتواضع، في ظل سنوات من الإقصاء والتهميش والتصغير والتحقير، بقدر ما نأمل أن تتحرك الوزارة الوصية على القطاع ومن ورائها “الحكومة الاجتماعية” من أجل تصحيح الوضع وإعادة الاعتبار، ونرى في تقديرنا، أن أولى خطوات التصحيح والاعتبار، تبدأ بالإفراج العاجل عن المستحقات المالية للأساتذة ضحايا تجميد الترقيات، ومواصلة الحوار بشأن النظام الأساسي المرتقب، بما يتطلبه هذا الحوار، من إرادة ومسؤولية والتزام وتبصر، بعيدا عن هواجس الربح والخسارة ولغة التوازنات المالية، وإذا كنا نتفق، على أن الكلفة المالية لهذا النظام لن تكـون إلا “ضخمة”، اعتبارا للثقل العددي للشغيلة التعليمية وحجم انتظاراتها وتطلعاتها، فلابد من التذكير أن كلفة تنزيل نظام أساسي على “مقاس الحكومة”، لن تكون إلا أثقل، وفاتورة أي ارتباك إصلاحي في البيت التعليمي، لن تكون إلا أقسى على البلاد والعباد، في سياق تنمــوي، لايقبل بلغة “الترميم” ولا بخطاب “مساحيق التجميل” ولا حتى بمنطق “الديبناج”، فإما نكون في الموعد التنموي أو لا نكــون، في انتظار أن يتحرك قطار التفاوض من جديد، وهذه المرة على سكة “الوضوح” و”الشفافية” و”المسؤولية” و”الإرادة” و”التبصر”…