كلام دبلوماسي بقلم : عزيز لعويسي

admin19 مارس 2023آخر تحديث :
شعار حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب
شعار حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب

كلام دبلوماسي
بقلم : عزيز لعويسي

في الوقت الذي كان فيه الإعلام والرأي العام الوطني، منشغلا بالبيان المثير للجدل الصادر عن الأمانة العامة لحزب المصباح، وما تلاه من بلاغ صادر عن الديوان الملكي، خص الرئيس الموريتاني، على هامش اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، خص ما يوصف بالوزير المستشار بالرئاسة، المكلف بالشؤون الدبلوماسية بجمهورية السراب، باستقبال رسمي بالقصر الرئاسي في نواكشوط، تسلم خلاله حسب ما أوردته قصاصة لوكالة الأنباء الموريتانية، رسالة خطية، من رئيس الجمهورية المزعومة، التي وصفت ب “الجهورية العربية الصحراوية الديمقراطية “، وزعيمها ب “فخامة الرئيس “؛

وبهذا الاستقبال، تؤكد الجارة الجنوبية أنها لم تعـد تقف، كما روجت لذلك منذ عقود، في المنطقة الرمادية، أو في زاوية حياد فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، بل وباتت تعترف اعترافا صريحا لا لبس فيه، بالجمهورية الوهمية المزعومة، ولم تعد تجد حرجا في وصفها ب “البلد الشقيق”، واستقبال ممثليها، استقبال ممثلي الدول والحكومات، وبذلك، تكون قد مالت إلى أطروحة نظام العداء الخالد، على حساب قضية يعتبرها المغرب والمغاربة أم القضايا؛

ما ورد في قصاصة وكالة الأنباء الموريتانية من مغالطات، يعد مسا صريحا بالوحدة الترابية للمملكة، واستفزازا غير مقبول وابتزازا رخيصا، يضرب ما طبع العلاقات بين المغرب وموريتانيا منذ عقود، من حسن جوار وصداقة واحترام، في الصميم، ويمس ما يربط البلدين الشقيقين، من صلات تاريخية وحضارية وثقافية، وترابطات اقتصادية، وهذا الانزلاق الدبلوماسي غير المسبوق، يقتضي التعامل معه بما يليق من المسؤولية والحزم والصرامة، استحضارا لما ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، الذي أكد فيه جلالة الملك محمد السادس أيده الله “أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، في إشارة إلى عدد من الدول التي لازالت تتبنى مواقف مبهمة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، ومنها الجارة موريتانيا؛

ويبدو أن الجارة الجنوبية لم تلتقط رسائل الخطاب الملكي، ولم تستوعب ما خاضه المغرب من نزالات دبلوماسية حقيقية مع دول أوربية وازنة بحجم ألمانيا وإسبانيا، ولم تنظـر بعين التبصر إلى الإجماع العربي بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، وإلى اتساع دائرة الاعتراف الدولي وخاصة الإفريقي، بمغربية الصحراء وبسيادة المغرب على كافة أراضيه، ولم تستحضر ما يضطلع به المغرب من أدوار متعددة الزوايا في تحريك ناعورة الحياة الاقتصادية وبشكل خاص التجارية والخدماتية داخل موريتانيا وعدد من بلدان إفريقيا الغربية، أو ربما تستوعب وتنظر وتستحضر وتدرك كل هذا، وتفضل السباحة ضد التيار، بالميلان العمدي نحـو خصوم وأعداء الوحدة الترابية للمملكة؛

في المجمل، ننبه أن تغيرات الموقف الموريتاني وقبله الموقف التونسي، وما تمارسه بعض بلدان الجوار الأوربي وخاصة فرنسا من ممارسات الاستفزاز والابتزاز، وما يقوم به نظام العداء من تحرشات وسلوكات وضيعة، يؤكد بما لايدع مجالا للشك، أن المغرب بات مستهدفا أكثر من أي وقت مضى، من طرف الأعداء والخصوم والحاسدين والمتربصين، وهذا الوضع المقلق، يفرض ليس فقط اتخاذ ما يلزم من الحيطة والحذر واليقظة، بل والحرص على لم الشمل وتعبئة الجبهة الداخلية، التي بدونها يصعب مواجهة الضربات وخوض النزالات الدبلوماسية دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب؛

جبهة داخلية لا تدرك بالشعارات ولا بالرجاء ولا بالأمنيات، بل بالوطنية الحقة، وما يرتبط بها من مسؤولية والتزام ونزاهة واستقامة ومصداقية وتضحية ونكـران للذات، ومن إرادة حقيقية في نشر خطاب الأمل والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والريع، والتصدي الحازم لصناع اليأس وتجار المآسي، دون إغفال الجبهة الخارجية التي تتشكل رافعاتها من مغاربة العالم، وهذه الجبهة تحتاج إلى التقوية والالتفاتة والاهتمام والاستثمار الأمثل، لتلعب دور الجبهة الأمامية، في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، والترافع البناء عن المصالح العليا للوطن وقضاياه المصيرية؛

وعليه، وبقدر ما نطالب بتغيير قواعد التعامل الدبلوماسي والاقتصادي مع الجار الجنوبي، ردا على مواقفه الاستفزازية الفاقدة لأدنى شروط المسؤولية والتبصر، بقدر ما نثمن ما تحقق في الصحراء المغربية من بناء ونماء في ظل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وننوه بالمشاريع الاستراتيجية التي تم إنجازها أو التي لازالت قيد الإنجاز، ونخص بالذكر مشروع الطريق السريع تزنيت الداخلة، ومشروع بناء ميناء الداخلة الأطلسي وميناء امهيريز وميناء الكويرة، وبهذه المشاريع التنموية الرائدة وغيرها، يمكن صون الوحدة الترابية للمملكة، وتغيير المعطيات الجيوسياسية بالصحراء المغربية ومحيطها الإقليمي، بما يخدم سيادة المغرب على كافة أراضيه، ويقوي الصلات والترابطات بين المملكة وعمقها الإفريقي عبر بوابة ميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيكون بدون شك، بوابة المغرب الأطلسية المفتوحة على إفريقيا الأطلسية وأوربا وأمريكا؛

وفي خاتمة المقال، كنا نأمل أن يستوعب الجار الجنوبي المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية، ويدرك عمق الشراكة المغربية الإسبانية، التي دخلت عهدا جديدا بعد مخاض دبلوماسي عسير مع المغرب، ليغادر منطقة “التردد” و”الحياد”، ويقطع مع سياسة “اللعب على الحبلين”، بالتعبير عن مواقف مسؤولة وواضحة بخصوص قضية الصحراء المغربية، والمضي قدما في اتجاه بناء شراكة حقيقية مع الرباط، مبنية على الأخوة والصداقة وحسن الجوار، والمسؤولية والمصداقية والمصالح المتبادلة، بما يخدم رخاء وازدهار الشعبين الجارين الشقيقين المغربي والموريتاني، لكنه اختار طريقا آخر، وعليه أن يتحمل مسؤولية القرار والاختيار، ويؤسفنا قولا أن بلدانا أخرى غير عربية، تمد اليد وتبدي الرغبة في التعاون وتقاسم المصالح والمنافع، وبجوارنا دول عربية شقيقة، تسعى إلى التفرقة والشتات، ولا تتوانى في إشعال فتيل الفتن، ما ظهر منها وما بطن …

وفي جميع الحالات، وفي ظل ما تتعرض له المملكة من حملات ابتزازية واستفزازية متعددة المستويات، بات من باب الاستعجال، أن تنتقل الدبلوماسية المغربية، إلى مستوى آخر في تعاملها مع بعض الدول التي اعتادت تكتيكات المراوغة والتمويه والكر والفر والابتزاز والاستفزاز، في تعاملها مع ملف الصحراء المغربية، مبني على قواعد الوضوح والمسؤولية والحزم والصرامة، وأن تعيد النظر في الشراكات القائمة مع عدد من الدول التي لازالت تختفي وراء المواقف الضبابية من قبيل الجارة الجنوبية، وفق مفهوم جديد للصداقات والشراكات، مبني على الاعتراف الذي لا لبس فيه بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كافة أراضيه، غير ذلك فلا صداقات ولا شراكات، إلا مع الدول التي اختارت التعبير عن مواقف واضحة ومسؤولة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، والدبلوماسية المغربية، وهي تتأمل متغيرات الموقف الموريتاني وقبله الموقف التونسي، لابد لها من تغيير قواعد ووسائل العمل، حرصا على المكانة والكرامة والكبرياء، في مغرب، لا يرضى ولن يرضى أبدا، أن يكون موضوع ابتزازات رخيصة واستفزازات وضيعة، مهما كان مصدرها ومحركها…

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة