كوفيـد “عبثــوس”
بقلم : عزيز لعويسي
لم تكد تخمد قضية “النقط مقابل الجنس” أو “الجنس مقابل النقط”، التي كانت إحدى كليات سطات مسرحا لها قبل أشهر، حتى شدت الأنظار إلى مدينة تزنيت بعدما تفجرت قضية اختلاس أموال وابتزاز وفساد، تورط فيها إطار في الشرطة بمعية مديرة وكالة بنكية، ولم تتوقف زوبعة العبث والتهور والانحراف والفساد عند هذا الحد، بل امتدت لتتسرب إلى عالم الطب، بعدما تفجرت قضية جنائية تفوح منها رائحة التزوير والتدليس والاتجار في البشر…، عجلت بسقوط واحد من أشهر أطباء التجميل والتقويم بالمغرب، بمعية بعض أقاربه ومساعديه، حسب الأخبار المتداولة إعلاميا.
ودون الخوض في الجوانب القانونية والقضائية ذات الصلة بهذه القضايا، والتي نترك أمر النظر فيها لسلطة القضاء، نرى أن الأفعال الجرمية المقترفة، تفرض استعجال دق ناقوس الخطر، لما تعكسه من انزلاقات خطيرة في منظومة الأخلاق والقيم ومن انتكاسة حقيقية في ماهية المواطنة وما يرتبط بها من قيم المسؤولية والالتزام والتضحية والوفاء ونكران الذات والإخلاص والوفاء.
توضيحا للرؤية، لما ينتهك “أستاذ جامعي” مهنة “الأستاذية” بكل ما تحمله من نبل ورقي ومهابة واحترام وتقدير ووقار، ويطلق العنان لممارسات التهور والعبث والوقاحة والانحطاط، ويترك “الرسالة النبيلة” ويتحول بين عشية وضحايا إلى ناسك يوزع “صكوك الجنس” بدون حرج أو حياء أو خجل …
لما يترك “شرطي” مهمة الإسهام في تكريس “الإحساس بالأمن” في أوساط المواطنين، ويتنازل عن مسؤوليته المهنية والأخلاقية والوطنية في حماية الأرواح والمملتكات، ويتقاعس عن تعقب الجناة والخارجين عن القانون، ليتحول نفسه وذاته إلى مجرم خارج القانون …
لما يضرب “طبيب” عرض الحائط ما يؤطر المهنة من قوانين وأخلاقيات، ويتنكر لقسم “أبو قراط”، ويتملص من مسؤولياته الوطنية والإنسانية في تقديم الدعم الطبي المناسب لمرضاه في إطار من المواطنة والالتزام والاحترام والعفة والقناعة والشفافية ونكران الذات، ويجنح نحو أحضان الطمع والجشع و الانحراف والجريمة.
حينما يخلع الأستاذ والطبيب الوزرة البيضاء، ويتجاوز الشرطي حدود وضوابط البذلة الزرقاء، ويختاروا كل فيما يتعلق به، الارتماء في حضن الجريمة، لأهداف وغايات تتقاطع في مدارة “العبث” وما يدور حوله من “جشع” و”طمع” و”ابتزاز” و”فساد” و”تهور” و”انحطاط” و”أنانية” و”انعدام مسؤولية”، فهذا معناه أن مشكلتنا الحقيقية لم تعد مع “كوفيد 19” الذي رفع الراية البيضاء على مضض، بل مع كوفيد أشد خطرا وشراسة وفتكا بالمجتمع والوطن على حد سواء، ارتأينا توصيفه ب “كوفيد عبثوس” نسبة إلى “العبث” المستشري في عدد من القطاعات والأوساط من سياسة واقتصاد ومجتمع وتربية وإعلام…
واحد بألوان وأشكال مختلفة، يفتح شهية ما يعيش بين ظهرانينا من فاسدين ومتهورين ومنحطين وبائسين، ويعمق في صمت بؤر الانحراف والجريمة والترامي على القانون والمساس بالحقوق، ويسيل لعاب من تعشش في أفكاره عناكب الطمع والجشع والأنانية المفرطة، وهذا “الكوفيد اللعين”، لن يكون إلا مهددا للسلم والتماسك الاجتماعيين، ما لم تحضر التعبئة الفردية والجماعية التي حضرت على امتداد أطوار وطقوس “كوفيد 19″، ويحضر معها “اللقاح الناجع”، الذي لايمكن تصوره إلا داخل حرم “المسؤولية” و”سيادة القانون” و”المساواة” و”العدالة الاجتماعية والمجالية” و “دولة الحق والقانون” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”، و”حماية المال العام” و”عدم الإفلات من العقاب”، والتصدي لكل صناع العبث وما يرتبط به من فساد وتهور ووقاحة وانحطاط وتفاهة وسخافة وانعدام مسؤولية.
وحتى لا نبخس الناس أشياءها، فهناك مواطنين “نزهاء” و”شرفاء” في التعليم كما في الشرطة والطب، وفي السياسة كما في الاقتصاد، وفي التربية كما في الإعلام وغير ذلك من المهن والقطاعات، يخدمون الوطن بروح وطنية عالية وبتضحية ووفاء وإخلاص ونكران للذات، لكن في ذات الآن، نحذر من “كوفيد عبثوس” الذي ينتشر بصمت في أوصال المجتمع، مما يشكل تهديدا واضحا لما يجمعنا كمغاربة من مشترك ديني ووطني وقيمي وأخلاقي، ولما نتطلع إليه من طموح اقتصادي وتنموي وأمني ودبلوماسي، في سياق “جيوسياسي” متغير، مواجهته تقتضي ليس فقط الالتفاف حول القيم والثوابت المشتركة، بل والإسهام الفردي والجماعي في حماية “بيضة الوطن”، من أن تطالها أيادي العابثين والفاسدين والمتهورين والمنحطين.
وإذا كان الجميع بات اليوم، مقتنعا تمام الاقتناع أن “مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس”، فهذا المغرب الجديد، يفرض علينا أفرادا وجماعات أن نكون في مستوى هذا الإشعاع الإقليمي والدولي، عبر طرح أسئلة العبث بكل مستوياته، والإسهام في بناء الوطن بوطنية حقة ومسؤولية والتزام وتضحية ووفاء ونكران للذات، مستحضرين ما ينتظرنا من رهانات اقتصادية وتنموية وما يواجهنا من تحديات دبلوماسية وأمنية واستراتيجية، تقتضي جبهة داخلية متينة وحصينة ومواطنين حقيقيين يكونون للوطن حصنا حصينا آناء الليل وأطراف النهار، وبلوغ هذا المسعى، يفرض التصدي لكوفيد “عبثوس” بما يلزم من الجرأة والصرامة.