لا يعنيني الزمن في شيء
بقلم : حميد شعيبي
دفق الإلهام يأبى إلا أن يساورني وناشئة الليل، ولا يحلو له إلا أن يقض مضجعي، عن رضاي طبعا. يحملني من غياهب كوابيسي ويسلط عليّ جاثوما مأجورا حتى يوقظني مذعورا ليعلن حالة من اللعنة التي تصيبني ، لعنة الكتابة ، لعنة صرت أحبذ وطأتها خاصة وأنها تختار لي ساعة من الهدوء والسكينة ؛ إذْ أنفلت من قيود الآخر و غوغائه ضارباً موعدا مع فكري وما يختزنه ، مميطاً اللثام عن أفكار لتنعتق من براثن السهو والنسيان الملازمة لي عادة نهارا حيث السعي والمشي في مناكب الدنيا.
قد أحتار من أين أطفق ……
لكن ما يتفتق كبرعم الآن بذهني هو هذه الصيرورة الزمنية التي تجرفني بسرعة خاطفة نحو الأمام ؛السنة أصبحت كالشهر ،والشهر كالأسبوع ،والأسبوع كاليوم ،وهكذا دواليك …هذا الإحساس بسرعة الزمن بدأت أعراضها منذ اشتغالي كأجير صار يتطلع على رأس كل شهر لأجرة؛فتجدني أنتظر ،فطريا،بفارغ الصبر مرور الأيام بسرعة حتى أغنم بمال ،بما لا يحوجني للغير ،ومن دون أن أشعر أجدني أجني إراديا على مقطع من العمر،بل مقاطعا منه.
لكن لطالما اعتقدت أن الزمن لا يعنيني في شيء،ما دام هناك شيء ثابت في دواخلي لا يتبدل ولا يتأثر ؛فروحي في مرحلة الطفولة هي نفسها في العقود التي راكمت من عمري، لم تتغير،و سوف تبقى على حالها إلى أن ألفظ أنفاسي الأخيرة ،وإلا فكيف نلفي طاعنا في السن متشبتا بتلابيب الدنيا إلى آخر رمق ،و إنْ كان يعي أنه على مرمى حجر من لَحْدِه.
إنّ الروح ،على هذا النحو ،لا تهرم ولا تتأثر بتغير المادة بتاتا ،على الأقل كما أشعر بذلك ،إذْ لا تعدو سوى علاقة تفاعل وانفعال…وحتى هذا الجسد الفاني لا نشعر بهرمه مباشرة بأم أعيننا،هي فقط المرايا المصطنعة و أعين الآخرين من نهتدي بها في ذلك، ولا نقف صراحة على حقيقة أمرنا الجسدي…
أكاد أعيش ثباتا في الزمن مع كينونتي ،وما يشعرني بدورة الأيام هو عامل وضعي لتاريخ متحرك تختلف وتيرة تحركه بزخم أحداث وتغيرات مادية…..لن يعنيني حتما في شيء.