ليلة سقوط الدفاع الحسني الجديدي
بقلم : حسن فاتح
في زمن الثانوي كنا ندرس ليلة سقوط غرناطة ، وفي أيام الجامعة والنضال الطلابي عشنا ليلة سقوط بغداد، وفي ليلة ليست كباقي الليالي ، عشنا بمعية أبناءنا ليلة سقوط الدفاع الحسني الجديدي ، ليلة كلها حزن وبكاء وعصبية وشتائم ، خاصة عند المزغانينن الذين يقدرون قيمة الفريق التاريخية والوجدانية ، ذلك الفريق الذي بني بسواعد الرجال ودماء المقاومين ، رحم الله من غادرنا ، وأطال الله في عمر من ما زال يتابع محن وعذاب الفريق الجديدي .
لم يكن يتصور أكبر المتشائمين ، ولا أخطر الحاقدين على الدفاع ، أن يسقط الفريق الجديدي بهذا الشكل وبهذه الصورة المضحكة ، فحتى إن أراد أهل الدفاع ، فرضا ، أن يسقطوها فلن يتمكنوا بسهولة، فكيف لفريق حاصل على 21 نقطة خلال مباريات الذهاب ، لا يستطيع من أجل النجاة تحصيل تسعة نقط من 15 مباراة، سواء من ثلاثة انتصارات أو تسع تعادلات ، وأظن هزلا مني، أن الأمر قد يكون سهلا على مسؤولي فرق أحياء مدينة الجديدة في الحصول على تلك النقط المتبقية ، ك”الحاج بجداد” رئيسا و”اعبيدة” مدربا و”الشوباشي” مساعدا .
عاش الدكاليون في تلك اللية عواطف متضاربة، بين الفرح والقرح ، قرحا لسقوط الدفاع الحسني الجديدي إلى “قسم الظلمات”، وفرحا لصعود نهضة الزمامرة إلى “قسم الأنوار”، ويشاء العلي القدير، أن يذيق من تسببوا في نزول فريق النهضة إلى قسم الثاني ، مرارة نفس الكأس، بعدما كان “الزمامريون” في الموسم ما قبل الماضي ، يحتاجون لمساعدة من الجديديين في الفوز على “الحريزيين” حتى يضمنوا البقاء، لكن المحسوبين على دكالة أداروا ظهرهم لأبناء عمومتهم ، وخيبوا آمالهم فسقطت النهضة، لكن “الغنادرة” لم ينسوا العار من أهل الجار ، فصبروا حتى عاشوا لحظة انتقام “المنتقم الجبار”.
كل المؤشرات كانت تشير من بعيد بأن الفريق الجديدي سائر في طريق الهاوية ، وكان موعد سقوط الفريق يتأجل سنة بعد أخرى ، فنتائج الفريق في تنازل مستمر، ولا أحد استشعر بالخطر، فبين مواسم 2018 و 2023 ، عاش الفريق ترتيبا تنازليا من المرتبة 8 إلى المرتبة 11 ثم إلى المرتبة 16 أي الأخيرة المؤدية إلى السقوط ، والمثل الشعبي يقول “قالوا أباك طاح ، راه من الخيمة خارج مايل“، وفريق الدفاع لم يكن يتمايل فقط ، بل كان يزحف على ركبتيه للنجاة من السقوط في السنوات الأخيرة.
عشت لسنوات وأنا أتابع الدفاع من بعيد ، هجرت المدرجات كغيري الذين لا يحبون البهدلة ، نتيجة لسوء التنظيم والإهانات التي تتعرض لها الجماهير العاشقة لكرة القدم، بعدما أساء لها مشجعو الفريق بشغبهم وبلطجيتهم وكلامهم القبيح ، يصيبك الإحباط والقرف والخجل برفقة أبناءك حينما تسمع كلاما نابيا، شتائم في كل الاتجاهات ، بدون طابوهات، بل حتى الكرة وقائم المرمى لم يسلما من شتائمهم.
عايشت بمعية جيلي ، لسنوات خلت، أكثر من مرة نزول فريق الدفاع الحسني الجديدي إلى القسم الثاني ، لكن ليس بمثل هاته الوضعية وهاته الطريقة، بل كانت في غالب تلك المواسم العجاف ، الظروف المالية لتلك الفرق أسوأ بكثير من هذا الفريق السلبي ، ومع ذلك كانت كل مكونات ذلك الدفاع القديم، من مسيرين ولاعبين وجمهور ، يقاومون السقوط حتى آخر رمق في الحياة.
لقد سقط فرسان دكالة قبل نهاية الموسم ، وسقوطهم كان مدويا وحصيلة مؤلمة ، ونتيجة لعنجهية المسيرين الفارغة، التي حولت الفرسان الى أضحوكة الموسم، بعدما صوروا للجديديين بأن فرسان دكالة كانوا على صهوة الخيول، وحينما انجلى غبار الحلبة عن بصيرتهم، اكتشفوا بأن ما تحت الفارس حمارا وليس فرسا ، وهنا حصل حمار الدفاع عند العقبة.
أظن أن سقوط الدفاع يمر الآن في صمت غريب ومريب، بدون جعجعة ولا ضجيج ، وكأن الأمر عادي جدا ، كما هو الشأن لباقي السقطات التي تعاني منها المدينة، على مستوى النظافة والجمالية والبنيات التحتية، كما أن سقوط الدفاع جاء منسجما مع سقوط كل شيء بالمدينة ، شوارعها وحدائقها ومآثرها ، وبهذا السقوط اكتملت آخر قطعة لصورة مدينة فاشلة في كل شيء .
ألوم ثم ألوم، ولا ألوم أحدا سوى أبناء مدينة الجديدة، بسبب التهميش والتجاهل الذي لقيته المدينة وفريقها ، خاصة الذين تقلدوا مناصب سامية وحاسمة في القرار ، يتابعون معاناتهما والجرائم التي ترتكب في حقهما من بعيد ، دون محاولة تقديم يد المساعدة لهما.
– ألا يوجد من بين ألف نسمة من سكان المدينة رجالا عقلاء وحكماء؟
– هل عقمت أرحام الدكاليات حتى لا ينجبن لنا رجالا قوامون على أنصاف الرجال؟
– أليس في الجديديين رجلا قادرا على رفع التحدي والنهوض بمثل هذا الفريق العريق؟
إذا كان الرئيس اعترف بمسؤوليته عن السقوط ، فاعترافه جاء متأخرا جدا ، إن لم نقل لا قيمة له ، فهل هذه الخرجة الصحافية هي شعور بالذنب ؟ أم بكاء على جريمة تم اقترافها ؟ أم أن هذا التصريح هو ذر للرماد في العيون ؟ أم هي وسيلة لدغدغة مشاعر الجدييين “الحنانة” ؟
أيها الرئيس ، لقد أسأت وأوجعت الكثير من المحبين حد الجنون، بنيت لهم قصورا من الرمال ، وجعلتهم يعيشون في أحلام كاذبة ، خاصة حينما أطلق صاحبكم الفنان ، العنان لسلوقيته ، وصرح بأن الجديدة ستكون مؤسسة تشبه فريق ريال مدريد وميلان الايطالي ، كم أضحكني ذلك التصريح حد البكاء ، وكم أشفقت على عباطة الجديديين حينما استمعوا لهذا التصريح، ولم يرجموه بالطماطم النتنة والبيض الفاسد .
نعم سقوط الدفاع هو جريمة مع سبق الإصرار والترصد، جريمة بعدما تم إبعاد كل الغيورين على الفريق ، جريمة بعدما تم زرع الشقاق وسط المحبين فاصبحوا أعداء ، جريمة بعدما تم تحويل الجماهير الجديدية إلى متهمين ومتابعين قضائيا ، وجريمة بعدما تم تسريح أجود العناصر والدفاع في أمس الحاجة إليهم ، وجريمة بعدما أصبح الفريق غارق في بئر من المديونية .
خائن إذن ، كل من يبرئ المكتب المسير من هذا السقوط ، ومتواطئ من يصدق تصريح الرئيس بسذاجة ، وجبان من يخرس عن الحق أكثر من هذا الحد ، ولتسقط جديدية كل جديدي إن لم يغير من هذا الوضع الشاذ للفريق ، بلسانه ، أو بقلمه ، أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان .