مغربوفوبيا
بقلم : عزيز لعويسي
ما تعرض له الوفد الدبلوماسي المغربي، في إطار “قمة لم الشمل”، من مشاهد الخروقات البروتوكولية والتنظيمية، ومن ممارسات الاستفزاز على مستوى قاعة الاجتماع، كما على مستوى الأنشطة الموازية، يؤكد مرة أخرى، أن العرب ابتلوا بنظام يصعب تسميته أو توصيفه، اجتمع فيه ما تفرق في غيره، من صور الرعونة والوقاحة والقدارة، والتآمر والعبث والتسيب وقلة الحياء، بشكل يجعله أكبر عابث بالأمن القومي والاستراتيجي العربي، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، يقتضي من العرب أكثر من أي وقت مضى، التحلي بروح الأخوة ومبادئ حسن الجوار، وطرح “أسلحة” الدسائس والنعرات وإثارة الفتن ما ظهر منها وما بطن، والجنوح الذي لامحيد عنه، نحو خطاب الوحدة ولم الشمل، استحضارا للتحديات العربية المشتركة، في عالم لا يؤمن إلا بلغة التعاون والمصالح المتبادلة.
خروقات بروتوكولية وتنظيمية، امتدت إلى مستوى عدم احترام خريطة المغرب كما هو متعارف عليها، من قبل قناة رسمية جزائرية، مما دفع رئيس الوفد الدبلوماسي المغربي، إلى تقديم احتجاج رسمي، فرض على الأمانة العامة للجامعة العربية، التحرك على عجل، لتصحيح هذا الانحراف الإعلامي غير المقبول، بنشر “تحذير هام” على موقعها الرسمي، نفت من خلاله أن يكون لها “أي شركاء إعلاميين” في تغطية أشغال القمة العربية المرتقبة بالجزائر، مؤكدة في معرض ذات التحذير، “عدم وجود صلة بأية مؤسسة إعلامية تدعي هذه الصفة”، مضيفة أن “الجامعة العربية لاتعتمد على خريطة رسمية مبين عليها الحدود السياسية للدول العربية بما فيها المملكة المغربية”، موضحة أنها “تتبنى خريطة للوطن العربي، بدون إظهار الحدود بين الدول، تعزيزا لمفهوم الوحدة العربية”، وأمام هذا التحذير شديد اللهجة، لم تجد القناة المعنية من بديل سوى التقدم باعتذار رسمي.
وبالموازاة مع التلاعب الجبان بالخريطة المغربية التي طالما استفزت النظام العدائي وأزلامه وأبواقه، تجنبت وسائل الإعلام المحلية المتحكم في أزرارها، التغطية الإعلامية للوفد الدبلوماسي المغربي برئاسة وزير الخارجية ناصر بوريطة، خلافا لما حدث بالنسبة للوفود العربية الأخرى، ومع ذلك، سرق “مول المقص” وفريقه، الأضواء التي لم تكن في البال ولا في الحسبان، وقد امتدت آلة القدارة والوقاحة نحو الوفد الإعلامي المغربي، الذي تعرض دون غيره من الوفود الإعلامية، إلى التضييق والاستفزاز والاحتجاز ومصادرة المعدات والطرد، في انتهاك جسيم لمهنة الصحافة، بشكل يذكر بما تعرض له الوفد الإعلامي الرياضي المغربي قبل أسابيع، لما حل بالجزائر لتغطية فعاليات الألعاب المتوسطية “وهران 2022″، وهذه الممارسات “الصبيانية” الفاقدة لأدنى شروط اللباقة والاحترام والمسؤولية، لاتعكس فقط، نظرة عداء تاريخي للمغرب ووحدته الترابية، بل هي رسالة واضحة المضامين، معناها أن المغرب بات بمثابة “فوبيا” بالنسبة لنظام حاقد، فاقد لأدنى شروط المسؤولية والتبصر وبعد النظر، وهذه “الفوبيا” وصلت مستوى متقدم من “التوجس” و”الهوس”، إلى حد، أن خريطة المغرب كاملة، وحدها باتت كافية، لإدخال هذا النظام العدائي في حالة من “الارتباك” و”الحمق” و”الهيجان”.
رئيس الوفد الدبلوماسي المغربي ناصر بوريطة، لم يكتف بإحراج نظام السوء في عقر الدار، بعدما احتج على القناة الجزائرية التي تلاعبت بالخريطة المغربية، في اعتداء جسيم على الخريطة الرسمية للوطن العربي المعتمدة من قبل الجامعة العربية، بل نجح في تمرير مشروع ” إدراج نقطة تسليح إيران للبوليساريو بالدرونات، واستهدافها للأراضي العربية سواء في الخليج أو في المغرب”، وهذا المشروع حظي بدعم ومساندة معظم الوفود العربية المشاركة، فيما رفضه وزير الخارجية الجزائري، ليؤكد أمام مرأى ومسمع العرب والمنتظم الدولي، الصلات والترابطات القائمة بين هذا النظام الجزائري والنظام الإيراني، الذي يستهدف الأراضي العربية سواء في الخليج عبر أذرعه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو في المغرب عبر تسليح مرتزقة البوليساريو.
ومهما حاولنا الوصول إلى منزلة من الأمل والتفاؤل، فقمة “لم الشمل” كما روج لها نظام السوء، لن تكون إلا قمة “تشتيت الشمل”، لأن النظام الذي يحتضن جماعة مسلحة إرهابية ويدعمها بكل الوسائل الممكنة منذ أكثر من أربعة عقود، للمساس بأمن ووحدة واستقرار دولة عربية عضو في الجامعة العربية بحجم وقيمة المغرب، والنظام الذي أغلق الأجواء وقطع أنبوب الغاز نكاية في المغرب، وعلق العلاقات مع إسبانيا، بمجرد أن أعلنت عن موقف جديد بخصوص قضية الوحدة الترابية، والنظام الذي ظل يترقب تراجعا في الموقف الأمريكي بخصوص مغربية الصحراء بعد رحيل إدارة ترامب، والنظام الذي اتهم المغرب بالوقوف وراء “الجراد الذي اجتاح الجزائر” و”إقصاء المنتخب الجزائري من المرور إلى مونديال قطر” و”الحرائق التي طالت عددا من غابات الجزائر”، والنظام الذي وضع اليد في يد النظام الإيراني للعبث بالأمن القومي والاستراتيجي العربي، والنظام الذي يتدخل بسوء نية في الشأن الليبي … هو باختصار، نظام “غير موثوق به”، بات أكبر عابث بالأمن القومي والاستراتيجي العربي، وأكبر ناسف للشمل العربي…وسيبقى الوضع على ما هو عليه، إلى أجل غير مسمى، ما لم يتخلص هذا النظام الحاقد من “فوبيا المغرب” أو “المغربوفوبيا” التي حضرت بكل تفاصيلها وجزئياتها في الطريقة التي استقبل بها الرئيس تبون، ممثل المغرب ناصر بوريطة، في لقطة تستحق لقب “لقطة القمم العربية” بامتياز …