من حياة وسيـرة الأولياء
“الشيخ سيدي أبو عبيد الشرقي” نموذجا”
بقلم : مطريب بوشعيب
“هذه البلاد لا يسوغ لنا فيها مقام , وحال أهلها الفأس في الطين , والعيد بالدين . فمن نظر إليها يقول : أمورها ميسرة , ومن نظر إلى أرزاقها يجدها معسرة , وإني راحل إن شاء الله إلى بلاد أمورها في الظاهر معسرة , وأرزاقها ميسرة .”
مقولة فاجأ بها الشيخ سيدي أبو عبيد الشرقي أصحابه وعائلته وتلامذته . بعد وفاة شيخه حيث رجع سيدي أبو عبيد الشرقي إلى زاوية والده ليأخذ عنه عهد وسند الطريقة الجازولية الشاذلية , باعتباره من الآخذين المباشرين عن الشيخ التباع الذي ينتسب إليه معظم شيوخ التصوف خلال القرن 10 الهجري / 16 ميلادي .نجد أن الشيخ سيدي أبو عبيد الشرقي في نشأ في وسط اجتماعي وديني وعلمي متميز . هذه البيئة العائلية المتميزة وفرت له كل أسباب الصلاح والورع والتقوى . فالتعليم الأولي تلقاه على يد والده في زاويته قرب القصبة التادلية حيث كان الأطفال يبدؤون في سن مبكر بحفظ الحروف الهجائية والتعرف على أشكالها في الألواح , ثم يحفظون فاتحة الكتاب , فسورة الناس , فسورة الفلق , ولا يزالون يوالون حفظ سور القرآن من أسفل إلى الأعلى , حتى يحفظوه كله عن ظهر قلب …..وبعدها يتعلمون كيفية رسم القرآن وضبطه وكذلك مبادئ الدين واللغة العربية … وليتم تكوينه الديني و العلمي أرسله والده إلى زاوية الصومعة ببني ملال, ليتربى ويتعلم على يد شيخها ” سيدي عثمان أمسناو ” الذي كان يخص تلامذته تربية خاصة ,مع التزام السنة المحمدية , والجمع بين التكوين العلمي والتربية الصوفية والأشغال الفلاحية . فأخذ الشيخ سيدي أبو عبيد الشرقي عن شيخه مجموعة من العلوم الدينية , مثل التفسير والقراءات والحديث والفقه بالإضافة إلى علم التصوف ( علم السلوك ).لا يستبعد أن تكون نتائج سنوات الأوبئة والقحوط وعدم الاستقرار السياسي بوجود منطقة تادلا بين وادي العبيد ووادي أم الربيع مجال الاصطدام بين قوات السعديين والوطاسيين هي السبب في جعل تأسيس الزاوية الشرقاوية تمر بثلاث مراحل أساسية . كل مرحلة لها ظروفها وشروطها و إكراهاتها , إلا إن إصرار الشيخ أبو عبيد الشرقي على إنجاز المشروع وتنفيذ رغبة شيوخه في توسيع دائرة منارات العلم والصلاح , جعلته يواجه مختلف التحديات بإيمان راسخ وعقيدة صلبة ويقين لا يتسرب إليه الوهن .فعلى الجبال المطلة على قصبة تادلا الغنية بالمياه والعيون والأشجار والثمار , أسس الشيخ أبو عبيد الشرقي مقر زاويته الأولى إلى الجنوب الشرقي من زاوية والده .حيث ستواجه منافسة شرسة من طرف زوايا المنطقة , خصوصا بعد أن اشتهر أمره وذاع صيته بالنظر إلى سمعة ومكانة أسرته وزاوية والده ووالدته فواجهه بعض هؤلاء بالقول :”إذا كان ذلك السيد يخدم الزاوية حقا , ويقيمها صدقا . فليقمها في بلد القفار والصحاري , لا في بلاد السواقي والماء الجاري ,”
وهنا لا يجب إغفال الدور التحكمي لهؤلاء الأولياء , حيث تصبح زواياهم ومناطق نفوذهم مجالات عازلة , لضبط استقرار القبائل وضمان علاقات التعايش , وتبادل المصالح والمنافع . ولقد حاول بعض منظري الاستعمار إعطاءها طابعا عنصريا ( مجتمعات الأمازيغ مع القبائل العربية الوافدة والمستقرة ). متجاهلين ما حققه الإسلام من تلاحم و تلاقح , أفرز حضارات وكيانات عظيمة , شأن الحضارة الإدريسية والمرابطية والموحدية والمرينية وصولا إلى الأشراف السعديين والعلويين .
وقد جاء في كتاب ” يتيمة العقود الوسطى “.
“إن أكثر بلاد الله أولياء تادلا في الغالب , وأن الأولياء يفرون إليها من أوطانهم كما تفر الإبل إلى المرعى .