نقطة نظام بقلم : عزيز لعويسي

admin16 أبريل 2023آخر تحديث :
نقطة نظام بقلم : عزيز لعويسي

نقطة نظام
بقلم : عزيز لعويسي

تصريحات رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة قبل أيام، بخصوص قضية المدينتين المحتلتين “سبتة” و”مليلية”، أثارت زوبعة من الجدل في فنجان المشهد السياسي، وفي أوساط عدد من الفاعلين السياسيين والأكاديميين والإعلاميين وغيرهم، في سياق داخلي موسوم بالقلق والتوتر والاحتقان، في ظل غلاء الأسعار وتدهور القدرات الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين، وسياق خارجي مطبوع بالتحديات المرتبطة بالوحدة الترابية، وتوتر العلاقات مع بلدان الجوار، وتأزم العلاقات مع باريس، فضلا عن التقرير السابق الصادر عن الخارجية الأمريكية، وقبله التقرير الصادر عن البرلمان الأوربي، بخصوص وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، ماعدا العلاقات بين الرباط ومدريد، التي دخلت عهدا جديدا منذ التغير التاريخي للموقف الإسباني بخصوص قضية الصحراء المغربية؛ مما يجعل من الجارة الإسبانية، نقطة ضوء بالنسبة للمغرب، في سياق جيوسياسي إقليمي، تمر فيه العلاقات بين الرباط ومحيطها المغاربي، من مرحلة غير مسبوقة من الجمود وفقدان الثقة؛

تصريحات القيادي في حزب الاستقلال، اعتبرها البعــض تصريحات جريئة، بشأن قضية “مسكوت عنها” منذ قـرون، تسائل مسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة، في ظل استمرارية احتلال الإسبان لأجزاء من التراب الوطني، فيما يتعلق بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والجزر المغربية التي لازالت تحت القبضة الإسبانية، في انتهاك واضح للسيادة المغربية، واعتبرها البعض الآخر، فرصة لإثارة ملف الأراضي المغربية المحتلة من طرف إسبانيا، استثمارا للعلاقات الجيدة بين الرباط ومدريد، التي دخلت في عهد جديد، يتأسس، أو يفترض أن يتأسس على مبادئ المسؤولية والوضوح والمصداقية والتعاون البناء والثقة المتبادلة وحسن الجوار واحترام السيادة؛

لكن بالمقابل، اعتبر البعض التصريحات المذكورة، مجرد “خرجة” غير متحكم فيها، لن تقدم ولن تؤخر، تذكر بخرجة “شباط” قبل سنوات، واعتبرها البعض الآخر، تصريحات “خارج السياق” الداخلي، المطبوع بالقلق والاحتقان الاجتماعي، والذي يفرض تعبئة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، من أجل الإسهام في تقديم الحلول الممكنة القادرة على تجاوز مطبة الأزمة الاجتماعية القائمة في ظل تدهور القدرات الشرائية لشرائح واسعة من المواطنيـن بسبب حمى الأسعار، واعتبرها البعض الثالث “خرجة” معاكسة لأولويات السياسة الخارجية للمملكة، بمبرر أن الظرفية تقتضي التركيز في قضية الصحراء المغربية في اتجاه الطي النهائي للملف، في ظل تزايد دسائس أعداء وخصوم الوحدة الترابيـة، وتفـادي فتح جبهات أخرى، من شأنها الإسهام في إضعاف الموقف المغربي في ملف الصحراء، وتوسيع دائـرة العداء للمملكة، خاصة في ظل توتــر العلاقات مع بلدان الجــوار المغاربي، واستمرارية مظاهر الأزمة بين الرباط وباريس؛

في جميع الحالات، لا يمكن أن نسلب الزعيم النقابي الاستقلالي حقه في الرأي والتعبير، شأنه شأن باقي الفاعلين السياسيين وكل القـوى الحية في البلد، خاصة لما يتعلق الأمر بقضية ترابية، لم يعد ممكنا الاستمرار في التعامل معها بسياسة الصمت أو التوجـس أو المهادنة أو الترقب أو الانتظار إلى ما لا نهاية له، ولايمكن بأي شكل من الأشكال وضع موقف القيادي المعني، في خانة “المفاجئة” أو “الاستثناء”، مـادامت قضية الوحدة الترابية، هي قضية إجماع وطني، سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية، أو بقضية المدينتين السليبتيـن والجزر المغربية المحتلة، وبالتالي، فالموقف المذكـور لا يمكن إلا القبول به وتأييده، على الأقل من الناحية الشعبية والمجتمعية، في ظل ما أحاط ويحيط الملف، من مظاهر الصمت والغموض والإبهام على المستوى الرسمي؛

ودون الخوض في تفاصيل الموقف الذي أعلن عنه الرجل، أو التيهان في مدى تقديره للسياقين الداخلي والخارجي، أو الانكباب فيما إذا كان الموقف المعلن عنه، مخططا له، أو أتى بشكل عرضي في إطار نشاط حزبي، فالحقيقة الثابتة التي لايمكن الاختلاف بشأنها، أن مغرب اليوم، يواجه تحديين اثنين، أولهما تحدي التنمية الشاملة وتطوير القدرات الاقتصادية والعسكرية، وثانيهما يرتبط بصون الوحدة الترابية للمملكة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، وباسترجاع ما تبقى من التراب الذي لازال تحت قبضة الاحتلال الإسباني فيما يتعلق بمدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة، وفي هذا الإطار، يمكن التساؤل : هل المغرب مطالب في هذا السياق الجيوسياسي الإقليمي والدولي الموسوم بالقلق والتوتر، بفتح جبهة ثانية فيما يتعلق بالمناطق المغربية المحتلة من قبل الجار الشمالي، استثمارا للعهد الجديد الذي دخلت فيه العلاقات بين الرباط ومدريد؟ هل هو قادر على فتح جبهتين في ذات الآن، والمجازفة بإثـارة ملف أكثر تعقيدا وتشابكا؟ أم أن الحكمة الدبلوماسية، تقتضي أولا، الطي النهائي لملف الصحراء المغربية، وبعدها يمكن فتح ملف المناطق المحتلة؟

أسئلة معقدة، لانمتلك الإجابة عليها، في ظل حالة الصمت التي تحيط بهذا الملف على المستوى الرسمي، لكن في ذات الآن، نرى حسب تقديرنا، أن الحكمة، تقتضي عدم تشتيت الرؤية، بالرهان على الحسم النهائي لملف الصحراء، الذي ظل منذ عقود، وسيلة لاستفزاز وابتزاز المغرب من قبل دول الجــوار الأوربي من قبيل فرنسا وإسبانيا، أما ملف المناطق المحتلة بالشمال، فلابد من الإقرار أن الملف هو أكثر تعقيدا بخلاف ما قد يظنه البعض، إذا ما استحضرنا أن احتلال هذه المناطق يمتد لقـرون خلت، كرست واقعا ديموغرافيا وسياسيا وقانونيا وثقافيا وهوياتيا، لايمكن بلغة القطع، حله أو تغييره، بمجــرد الإعلان عن موقف حماسي أو رفـع شعـار رنان، خاصة في ظل ترسخ موقف إسباني شعبي وسياسي منذ قــرون، يلبـس المدينتين المحتلتين معطفا إسبانيا، في انتهاك جسيم لسيادة مغربية تؤكدها الجغرافيا ويوثقها التاريخ، بدليل أن الموقف المعلــن عنه من قبل القيادي الاستقلالي، قـوبل بـرد سريـع حامل لشحنات التحدي والاستفزاز من الجانب الإسباني، عبرت عنه وزيرة الدفاع الإسبانية خلال مقابلة تلفزيونية؛

وهذا الواقع المعقد، لايمكن أن يكون مبررا بالنسبة للدبلوماسية المغربية، لطي الملف أو إقبـاره أو ترك أمر الخـوض فيه للظروف والسياقات، أو التعامل معه بنوع من الحساسية والتوجس والكتمان، مراعاة للعلاقات مع الطرف الإسباني، بل لابد أن يكـون دافعا لمقاربته وفق خطط واستراتيجيات “ناعمة”، من شأنها تغيير قواعد اللعب وتقوية الموقف المغربي، ودفع الجانب الإسباني إلى الجنوح نحــو طاولة الحوار والتفاوض، ونشير في هذا الإطار، إلى ضرورة كسب معارك التنمية الشاملة والرفع من مستوى عيش المغاربة وتنمية دخلهم الفردي، وتطوير القدرات الاقتصادية والعسكرية، وتوسيع دائرة الشراكات الاستراتيجية، وهذه الاستراتيجية، حضرت مبكرا في صلب السياسة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، الذي راهن ويراهن على المشاريع التنموية والبنيات التحتية الكبرى القادرة على الرفع من قدرات المملكة، من قبيل ميناء طنجة المتوسطي ومشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي، وهذه المشاريع الاستراتيجية، من شأنها تكريس المغرب كوجهة تجارية عالمية وازنة في المجالين المتوسطي والأطلسي، دون إغفال ما تحقق ويتحقق من منجزات في البنيات السككية والطرق السيارة والمطارات والمشاريع الصناعية خاصة في مجال السيارات والطائرات، وما انخرط فيه المغرب من شراكات وازنة، وما بات يضطلع به من حضور وازن في العمق الإفريقي؛

قضية سبتة ومليلية، لا يمكن تحريـك عجلتها، في ظل واقع سياسي وسوسيومجالي وحقوقي، يقوي أحاسيس القلق والتوتر والإحباط، ويوسع من دائــرة النفور والهروب من أحضان الوطن في أوساط شرائح واسعة من الشباب اليائس، كما تعبـر عن ذلك، أرقام الهجرة السرية نحو الجارة الشمالية إسبانيا، بما في ذلك نحو المدينتين المحتلتين، وما يترتب عن ذلك من محن ومآسي إنسانية، وكما تدل على ذلك، المؤشرات الدالة على الكفاءات والخبرات المغربية، التي تهاجر الوطن كل سنة، نحو أوربا وكندا وأمريكا، بحثا عن ظروف مهنية أفضل ومستوى عيش أرقى وأكثر اطمئنان، بكل ما لذلك من إساءة لصورة المغرب، ومن فقدان لكفاءات وخبرات كان من الممكن استثمارها في بناء الوطن ونمائه وبهائه، كما لايمكن فتح ملفها، في ظل مشهد سياسي، لازال يمنح الأنانيين والعابثين ومنعدمي الضمير، فرصا للحلب والنهب والسلب والارتقاء، على حساب الوطن وقضاياه المصيرية، في غياب سيف “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وخنجر “عدم الإفلات من العقاب” ورمـح “من أي لك هذا؟”؛

قضية المناطق المغربية المحتلة، قبل هذا وذاك، تحتاج إلى أحزاب سياسية ديمقراطية مسؤولة، وإلى فاعلين سياسيين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والخبرة والنزاهة والاستقامة ونكـران الذات، يستحضرون “الله” و”الوطن” و”الملك”، يحترمون الشعب ويستمعون إلى نبضه، ويتبارون في الإسهــــام في خدمته والاستجابة لحاجياته وتطلعاته وانتظاراته، بعيدا عن خطاب الاستفزاز والتحدي والاستقواء، والانخــراط “المسؤول”، في المسيرة التنموية والإصلاحية التي تقودها بتبصر واقتدار المؤسسة الملكية، وإلى مجتمع مدني فاعل، وجبهــة إعلامية قويـة ومتماسكة و “مستقلة” و”حرة”، تتوفر فيها شـــروط “المهنية” و”الأخلاق”، قـادرة على الإسهام المواطن، في التوعية والتحسيس والإخبار والتربية وتنمية الأذواق، وفي لعب دور الشريك فيما يعرفه المغرب من دينامية تنموية متعددة الزوايا، عبر كشف العبث وفضح الفساد ما ظهر منه وما بطن؛

ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، ومهما حاول الجار الشمالي حجب شمس الحقيقة بغربال الأمر الواقع والصلابة والعناد والتحدي، فلن يستطيع قطعا، أن ينزع عن مدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة هويتها المغربية، أمام حقيقة ثابتة تعكسها الجغرافيا، ويثبتها ويوثقها التاريخ، لذلك وبالمجمل، فلايمكن وهذا رأي يلزمنا، إلا مشاطرة رأي وموقف رئيس مجلس المستشارين، لأنه لم يقل إلا الحقيقة التي لابد من البوح بها وإيصالها إلى الرأي العام الإسباني والأوربي والدولي، وفق ما هو متاح من الآليات القانونية والدبلوماسية، ونرى أنه من غير اللائق أن تتم إدانة رجل سياسة مغربي ربط حل ملف سبتة ومليلية بالمرور عبر قنوات الحوار والتفاوض بعيدا عن لغة السلاح، وفي ذات الآن، يتم التطبيع مع مواقف قياديين وزعماء إسبان، لا يجدون حرجا أو حيـاء، في إبداء مواقف مفعمة بالتحدي والاستقواء والاستفزاز، داعمة لإسبانية المدينتين المحتلتين، دون اعتبار لمشاعر الشعب المغربي قاطبة، كما حدث بالنسبة للتصريح الأخير لوزيرة الدفاع الإسبانية، التي ردت على رابع رجل في الدولة المغربية، بلغة مستفزة قائلة “سبتة ومليلية إسبانيتان”؛

ونختم بالقول، أن الطريق إلى سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة، يبدأ بكسب معارك البناء والنماء وتطوير القدرات الاقتصادية والعسكرية، وبلوغ مرمى مغرب الأمل والحياة، والديمقراطية و الحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون، والمساواة والإنصاف والكرامة والعدالة الاجتماعية، والجنوح الذي لامحيد عنه، نحو تخليق الحياة العامة، عبر التصدي للعابثين والمفسدين والوصوليين والانتهازيين وتجار الأزمات، الذين يعطلون عجلة ما يتطلع إليه المغاربة، من بناء ونماء وبهاء وإشعاع، والتشبث بثوابت الأمة المغربية، التي تمنح القوة والمناعة والشجاعة في خوض النزالات وكسب المعارك، وتدفع في اتجاه صون بيضة التراب…، حينها يمكن التحرك في اتجاه فتح جبهة المناطق المغربية المحتلة، باستثمار القنوات الحوارية والدبلوماسية والقانونية المتاحة؛

ولايمكن أن ندع الفرصة تمر، دون التنديد بالتصريحات غير المسؤولة التي تصدر من حين لآخر عن قادة وزعماء إسبان، بخصوص وضعية المدينتين السليبتين، وهذه التصريحات لم يعد لها مكان، بعد الإعلان المشترك، الذي يقتضي التحلي بضوابط المسؤولية والمصداقية والصداقة والتعاون المشترك واحترام السيادة، وهذا الإعلان الذي أسس لعهد جديد بين البلدين، لابد من استثماره من قبل الرباط، لوضع النقـط على الحروف بين البلدين الجارين، فيما يتعلق بمختلف القضايا الشائكة وعلى رأسها مسألة ترسيم الحدود البحرية المتوسطية والأطلسية، وملف المناطق المغربية المحتلة، بالموازاة مع الاستمرار في معركة البناء والنماء، وتطهير البيت الداخلي من كل المعيقات، التي لازالت تعرقل عجلة الوطن، وتحرمه من فرص تملك القوة وبلوغ السيادة …، ونأمل أن يكون ملف الترشيح المشترك لمونديال 2030، فرصة لتمتين جسور الثقة والمصداقية والسلام والصداقة بين البلدين الجارين، ومناسبة للانخراط في بناء مستقبل آمن ومزدهر، بمعزل عن عقد التاريخ، مبني على مبادئ المصداقية والمسؤولية والتعاون والتبصر والشفافية واحترام السيادة وحسن الجوار، لما فيه خير للشعبين الصديقين المغربي والإسباني الذين يتقاسمان قدر الجغرافيا وعبق التاريـخ…

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة