” التضامن الجامعي المغربي” .. مسألة الأرشيف
بقلم : عزيز لعويسي
سبق أن وجهنا البوصلة نحو “منظمة التضامن الجامعي المغربي”، من خلال مقالين سابقين، نشرا في عدد من الجرائد الورقية والمواقع الالكترونية، حمل الأول منهما عنوان “التضامن الجامعي المغربي”.. الذراع القانوني لأسرة التعليم”، فيما حمل الثاني عنوان “التضامن الجامعي المغربي .. الواجهة التضامنية لأسرة التعليم”، وعلى الرغم من اختلاف سياقات ومضامين هذين المقالين، فقد تقاطعا معا في غاية التعريف بهذه المنظمة المهنية العتيدة، من حيث القيم والأهداف المؤسسة لها.
وفي هذا الإطار، وتزامنا مع اليوم الوطني للأرشيف الذي سيصادف يوم الأربعاء 30 نونبر 2022، ومواكبة منا لهذا الموعد الأرشيفي الوطني، ارتأينا أن نطـرق مجددا باب “التضامن الجامعي المغربي”، وهذه المرة عبر “مدخل الأرشيف”، وهذا الاختيار لم يكن من باب الصدفة، ولا من زاوية التوقيع على شهادة ميلاد مقال جديد يضاف إلى قائمة ما أنتجناه من مقالات رأي حاملة لهم الأرشيف، ولكن تحكمت فيه، اعتبارات متعددة المستويات، نوجز بعضها فيما يلي:
-أولا: ما أناط به المشرع “أرشيف المغرب” من مهام ذات صلة بصيانة تراث الأرشيف الوطني والعمل على النهوض به، ومنها ما يتعلق ب”السهر على الأرشيف الخاصة ذات النفع العام”.
-ثانيا: ما تزخر به بعض الأرشيفات الخاصة من نفائس أرشيفية، مهما كانت طبيعة الجهة المالكة لها، خاصة الأرشيفات ذات الحمولة التاريخية والتراثية والعلمية.
-ثالثا: قيمة ما تحتضنه منظمة “التضامن الجامعي المغربي” من أرشيفات نوعية داعمة للأرشيف المدرسي بكل مستوياته وامتداداته، بالنظر إلى عمرها الذي قارب التسعة عقود من الزمن، وهذا الامتداد التاريخي اللافت للنظر، أتاح بدون شك، للمنظمة وضع اليد على أرشيفات تعود إلى الحقبة الفرنسية، من منطلق أنها أسست في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل المدرسين الفرنسيين العاملين بالمغرب، بصفتها تابعة ”للمنظمة المركزية القائمة بفرنسا” Fédération des autonomes de Solidarité “، قبل أن يتسلم شؤون إدارتها وتسييرها المدرسون المغاربة.
-رابعا: ما راكمته هذه المنظمة التطوعية من أرشيفات طيلة تاريخها الطويل، يمكن الاستناد عليها لإعادة تركيب الوجه “الخفي” أو “المسكوت عنه” أو “المنسي” للأرشيف المدرسي بمفهومه الواسع، إذا ما جاز التوصيف، استحضارا للأهداف العامة للمنظمة، والتي تتقاطع في شموليتها، في “الدفاع عن كرامة منخرطاتها ومنخرطيها من نساء ورجال التعليم، ومؤازرتهم قضائيا سواء على مستوى “المحاكم العادية” فيما يتعرضون إليه من ظلم أوعنف أو اعتداء أو وشاية كاذبة.. أو على مستوى “المحاكم الإدارية” لمواجهة القرارات الإدارية المتسمة بالشطط في استعمال السلطة، أو الحرمان من الترقية أو خرق مبدأ المساواة أو النقل التعسفي أو الطعن في نقط الإدارة والتفتيش أو العزل أو التوقيف أو القرارات التأديبية المعيبة أو الإعفاء من المهام …إلخ.
– خامسا: التدخلات التضامنية للمنظمة على مستوى مؤازرة منخرطيها من نساء ورجال التعليم أمام السلطات القضائية، يضعنا في صلب أرشيفات نوعية، عاكسة لما تتعرض له الشغيلة التعليمية أثناء مسارها المهني، من مشاهد الظلم أوالعنف أو الاعتداء أو الوشاية الكاذبة..، أو مما يطالها من الممارسات الإدارية، المتسمة بالشطط في استعمال السلطة، أو الحرمان من الترقية أو خرق مبدأ المساواة أو النقل التعسفي، وغير ذلك من القرارات الإدارية، وبالتالي فأرشيفات بهذا المستوى، لاتعكس فقط، مشكلات هيئة التعليم، بل وتقدم معطيات حول السلوك الإداري التعليمي، وتعكس ظاهرة العنف المدرسي من حيث التاريخ والامتدادات والتطورات، وترصد واقع حال المساطر الإدارية والقانونية والقضائية وما يرتبط بها من أحكام.
-سادسا: منظمة “التضامن الجامعي المغربي”- التي تتأسس على قيم “التضامن” و”التشارك” و”الاحترام “و”الحياد” و”الاستقلالية” و”الديمقراطية” و”العقلانية” – “ترتبط باتفاقيات شراكة وتعاون مع عدد من الهيئات والمؤسسات العمومية والتنظيمات المهنية والمدنية ومختبرات ومراكز أبحاث ودراسات (ما يزيد عن 22 هيئة من ضمنها “وزارة التربية الوطنية”)، وهذه الشراكات المتعددة الزوايا، تعد في حد ذاتها “ممارسة أرشيفية” تستدعي تدبيرا أمثل.
-سابعا: ما تحتضنه المنظمة من تراث أرشيفي، وإن كان يدخل في دائرة أرشيفات الجمعيات أو الأرشيفات الخاصة، فبدون شك، قد يستوعب بعض الوثائق الأرشيفية ذات الصلة بالأرشيف العامة، استحضارا للشراكات التي تربط المنظمة بعدد من الهيئات العمومية من قبيل الوزارة الوصية على القطاع وما يرتبط بها من أكاديميات جهوية ومديريات إقليمية، وهذه الأرشيفات، تدخل ليس فقط في دائرة القانون المنظم للأرشيف فحسب، بل يجب أن تخضع إلى أحكامه ومقتضيات مرسومه التطبيقي على مستوى التدبير.
ونحن نستعرض هذه الاعتبارات، نتساءل كرجال تعليم، وكمهتمين بالشأن الأرشيفي عن واقع حال أرشيفات منظمة التضامن الجامعي المغربي من حيث “الحالة” و”النوعية” و”الحفظ” و”التدبير”، وما كنا لنبسط هذا التساؤل المشروع، لو لم نكن نقدر أن هذه الأرشيفات، تدخل في نطاق “النفع العام”، ليس فقط بالنظر إلى عمقها التاريخي، بل ولأنها حافظة لجزء لايتجزأ من التاريخ المدرسي وحاضنة لوجه من أوجه ذاكرة نساء ورجال التعليم، وفي هذا الإطار إذا كانت المنظمة هي المالك الشرعي لما تختضنه من تراث أرشيفي، فنرى أن المالك الحقيقي لهذا التراث هم نساء ورجال التعليم عموما و المنخرطات والمنخرطين بوجه خاص، وإذا لم نبالغ، فهذا التراث قد يرتقي إلى مستوى التراث الأرشيفي المدرسي الوطني، الذي يستدعي ليس فقط، حفظه وتدبيره، بل و”تثمينه”عبر تقديمه للجمهور في شكل “معارض موضوعاتية”.
ولا يمكن في خاتمة المقال، أن نقدف الكرة الأرشيفية في مرمى”التضامن الجامعي المغربي”، دون إثارة انتباه المؤسسة الوطنية الحارسة على الأرشيف العمومي “أرشيف المغرب”، إلى هذه المنظمة التعليمية التي قاربت التسعة عقود من الزمن ولازالت صامدة ومصرة على البقاء، وهذا الثقل التاريخي اللافت للنظر، وحده يكفي لمد جسور التواصل مع المنظمة، لمعاينة واقع حال أرشيفها، وتقييمه “عن قرب” للنظر فيما إذا كانت تتوفر فيه فعلا، شروط ومعايير “النفع العام”، وتقديم ما هو ممكن من “الخدمة الأرشيفية” التي من شأنها الدفع في اتجاه حفظ هذا الأرشيف وحسن تدبيره وتثمينه، حرصا على الذاكرة الجماعية لنساء ورجال التعليم، ومن باب المواطنة الحقة، واستحضارا لما لأرشيفها من قيمة تاريخية وعلمية وتراثية وهوياتية، ومن دور في إغناء وإثراء التراث الأرشيفي الوطني، نأمل أن يلتفت الساهرون على “التضامن الجامعي” إلى الأرشيف النائم حولهم في صمت بين الدواليب والعلب الكرتونية، وأن يتأملوا فيه لحظات، حينها سيدركون أنهم ليس فقط، أمام وثائق أرشيفية فاقدة للحياة، بل أمام التاريخ ذاته والذاكرة الجماعية عينها، وليس أمامهم من خيار، سـوى طرق باب “أرشيف المغرب”، فلن يجدوا من ملاد آمن ودائم لتراثهم الأرشيفي غيرها…
بقيت الإشارة إلى أن مؤسسة “أرشيف المغرب”، ترتبط باتفاقية شراكة وتعاون مع المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمحمدية، تعد الأولى من نوعها على الصعيد الوطني بين المؤسسة الأرشيفية ومديرية إقليمية للتعليم، وهذه الاتفاقية، ستكون بدون شك، قوة دافعة في اتجاه الانفتاح على “الأرشيف المدرسي” الذي يعد مدخلا أساسيا لنشر ثقافة الأرشيف في الأوساط المدرسية، ومنظمة “التضامن الجامعي المغربي”، تبقى معنية أكثر من غيرها بهذا الانفتاح، لما تزخر به من تراث أرشيفي مدرسي، لايمكن البتة فصله عن “الأرشيف المدرسي” بمفهومه الواسع، ويمكن أن تنخرط المنظمة، في خدمة ثقافة الأرشيف بالنظر إلى ما راكمته من خبرات تدبيرية وتجارب ميدانية، وما تتوفر عليه من بنيات وآليات تواصلية، ومن شبكة مهمة من المراسلين على المستوى الوطني، وما تستند عليه من شراكات متعددة المستويات، وفي جميع الحالات، لما يحضر”الأرشيف”، لابد أن تحضر قيم الوطنية والمسؤولية والالتزام والجاهزية والقابلية والاستعداد، لأن تراث الأمة فوق الجميع، ولايمكن قطعا، أن يكون محل مزايدات …